في دائرة العلم الحضوري ، كعلمنا بذواتنا ، فإنّ الحاضر لدينا هو وجود ذاتنا ، وإن كان محدوداً بحدود ، ومقيّداً بقيود ، إلّا أنّ وجود النفس ، بما هو وجود ، حاضر لديها ، لا حضوراً بالصورة والترسيم ، بل حضوراً بالعينية والحقيقة.
نعم ، لا يصحّ لنا أن نتخذ ذلك ذريعة لتصحيح علم الإنسان الحضوري بجميع مراتب الوجود ، واجبه وممكنه ، لأنّ علمه الحضوري مقصور على علمه بذاته أو بالصور القائمة بها. وأمّا العوالم الخارجة عنها ، فليست هي عين ذات الإنسان ولا فعلاً قائماً بذهنه.
٢ ـ واجب الوجود
الموجود إمّا واجب لذاته وإمّا ممكن لذاته. فما وجب لذاته ، لا يمكن معرفة كنهه ، لأنّ واجب الوجود ، على خلاف الممكنات ، وجود بحت ، ليس له ماهية وحدود (١) حتّى يتعلق التعرف به.
ولأجل ذلك ، ينسلك واجب الوجود في عدم التعرف على كنهه ، في عداد حقيقة الوجود بعامة مراتبه ، غير أنّ حقيقة الوجود في غير الواجب محدودة بالماهية ، ومقترنة بها ، فيمكن التعرف عليها ، وأمّا في الواجب فهي وجود صرف ، فهو فوق أفق المعرفة.
ولكن هذا لا يعني أنّه لا يمكن التعرف على الواجب بوجه آخر يناسب مقدرة الإنسان ، وهو التعرف عليه بأسمائه وصفاته وأفعاله ، والحكم عليه بضرورة الوجود والتحقق ، وأنّه مبدأ الأشياء ، إلى غير ذلك ممّا يمكن أن يتخذه الإنسان وسيلة للتعرف على تلك الذات ، فيقول : الله موجود ، وهو واجب الوجود ، عالم ، قادر ، حي ، مريد ، حكيم ، ليس بجسم ، ولا عرض ، ولا متحيز ، وهو الخالق ليس له شريك في خلقه ، والمدبر ليس له شريك في تدبيره ، إلى غير ذلك من الصفات الجمالية والجلالية.
__________________
(١) ستوافيك أدلته في الإلهيات في بحث التوحيد الذاتي من مباحث الصفات السلبية.