٣ ـ حقائق الأشياء
قد عرفت أنّ الماهيات ، حدود الوجود الّتي تتكفل ببيان مراتبه ، ولكن هل بإمكان الإنسان الوقوف على واقعية تلك الحدود الّتي يعبّر عنها تارة بالماهيات ، وثانية بالجنس والفصل ، وثالثة بالنوع؟ أو أنّ المعرفة تقتصر على لوازم الأنواع وخصائصها الّتي يعبّر عنها بالأعراض الخاصة والعامة؟
المنقول عن الشيخ الرئيس أنّ معرفة حقائق الأشياء أمر عسير إن لم يكن محالاً ، وأنّ المعرفة إنّما تتعلّق بلوازمها وخصوصياتها.
مثلاً : المعروف في بيان حقيقة ماهية الإنسان أنّه «حيوان ناطق» ، حيث جعلوا «الحيوان» جنساً ، و «الناطق» فصلاً. مع أنّ فيه تأمّلاً واضحاً ، لأنّه إن أُريد من الناطق ، الناطق باللسان ، فالنطق كيف جسماني ؛ وإنْ أُريد منه المفكر ، فالتفكير كيف نفساني ؛ وإنْ أُريد منه النفس الناطقة ، فما هي ماهية النفس؟.
يقول بعض المعاصرين : «إنّا نعيش في عالم مملوء بالحقائق والقوى ، ولا نعلم أيَّ شيء هي. وهذا في الدنيا الّتي نعيش فيها ، ونلمسها ، ونزاول شئوننا فيها ، فكيف بالعوالم الأُخرى البعيدة عنّا؟ نقول : إنّ العالم مكوّن من ذرّات ، ونقول إنّ الذرّة مكونة من الكترونات ، أو من نواة وشحنة كهربائية سالبة وموجبة ، ويتغيّر رأينا في تكوين الذرّة بمعدّل مرّة كل أربع سنوات ، ونتبجح فنعمل من الذرّة قنابل ذريّة ، ونحن لا نعلم عن حقيقتها شيئاً. نقول إنّ الأجسام تسقط لقانون الجاذبية ، والمصباح يشتعل بالكهرباء ، ونسخّر الكهرباء في إيجاد الحرارة والبرودة والحركة ، وإيجاد الأمواج واستقبالها ، ولكن ما الكهرباء؟ لا نعلم عن حقيقتها شيئاً ، وإنّما نعلم كيف تستخدم ، بل الحياة نفسها لم نعرف حقيقتها ، وإن كانت تسكن فينا ، وكل ما حولنا لا نعرف حقيقته ، وإنّما نعرف أعراضه. وبعبارة أُخرى : نعرف «كيف» ، ولا نعرف «ما» و «لما ذا» (١).
__________________
(١) مجلة رسالة الإسلام الصادرة عن دار التقريب بالقاهرة ، السنة الرابعة ، العدد الأول (ربيع الثاني ١٣٧١ ه) ، ص ٢٤ ، مقالة للدكتور أحمد أمين بعنوان «ما نعلم وما لا نعلم».