وبعبارة أُخرى : إنّ التعرّف على ما وراء الحسّ ، يحصل في ظل البرهان ، وهو مركب من اليقينيات ، وأصولها ست : الأوليّات ، والمشاهدات ، والتجريبيات ، والحدسيات ، والمتواترات ، والفطريات. فإذا كان الأساس صادقاً ، فما يبتني عليه يكون مثله.
وبذلك تقع عوالم الوجود في إطار المعرفة ، فالإنسان يتعرّف عليها من مبدئها إلى منتهاها. ولا يَحُدّ من إطارها إلّا ما يحدّ من أدوات المعرفة.
ولأجل إيقاف الباحث على كيفية تعلّق المعرفة بما وراء الحسّ ، نأتي بتقريبات يسهل معها التصديق بإمكان معرفة المغيبات والعوالم الخارجة عن إطار الحسّ :
١ ـ العقل الباطن أو اللاوعي
كانت النظرية السائدة في علم النفس أنّ الإنسان ذو نفس واعية وعقل شاعر ، يتصوّر ويصدّق ، وتظهر سلطانها في الأفعال والحركات وغير ذلك ممّا يرجع إليها.
ولكن التحليل النفسي ـ فيما بعد ـ كشف عن أنّ هذا الذهن المشهود ، هو أحد وجهي العملة ، وأنّ الوجه الآخر ، جانب مغمور من النفس لا يلتفت إليه الإنسان ، سمّي بالعقل الباطن أو اللاوعي.
وقد أخذ بحث اللاوعي شوطاً كبيراً من الاهتمام ، بعد اكتشافه كحدث عظيم في تاريخ علم النفس على يد مدرسة التحليل النفسي الّتي يتزعمها «فرويد» ، وقد تبعه على هذا النهج تلامذته نظراء «يونغ» (١) و «أدلر» (٢) ، وإن
__________________
(١)gnuJ ، كارل غوستاف (١٨٧٥ ـ ١٩٦١ م) ، سويسري. أسس مدرسة «علم النفس التحليلي» بعد انفصاله عن فرويد ١٩١٣. يرى أنّ وراء اللاشعور الفردي ، لا شعور جماعي ، يتكون من أنماط قديمة من النزعات والتصورات الموروثة. وضع اختبار تداعي المعاني للكشف عن العقد النفسية. ونظريةً في أنماط الشخصية ، له مذكرات نشرت عام ١٩٦٣.
(٢)reldE ، ألفرد إدلر (١٨٧٠ ـ ١٩٣٧ م) سويسري. أسس مدرسة «علم النفس الفردي». والمشهور أنّ إدلر يعارض التحليل النفسي الفرويدي في تضخيمه للجنس ، مؤكّداً بالعكس دور الأنا ـ