يلقنها إياه في صورة الأدلة ، بكلام يوجهه إليه في صيغة الأمر والنهي ، وهكذا أملى عليه هذه الأكذوبة إملاءً ، وفرضها عليه فرضاً ، حتّى خضع لها الوسيط وأذعن.
ثمّ أخذ الأستاذ وأخذنا نناديه باسمه الحقيقي المرّة بعد الأُخرى ، في فترات متقطعة ، وفي أثناء الحديث ، على حين غفلة ، كل ذلك وهو لا يجيب. ثمّ نناديه باسمه المصنوع فيجيب دون تردد ولا تلعثم.
ثمّ أمر الأستاذ وسيطه أن يتذكّر دائماً أنّ هذا الاسم الجديد هو اسمه الصحيح ، حتّى إلى ما بعد نصف ساعة من صحوه ويقظته. ثمّ أيقظه وأخذ يتم محاضرته ، ونحن نَفْجَأُ الوسيط بالاسم الحقيقي فلا يجيب ، ثمّ نفجؤه باسمه الثاني فيجيب. حتّى إذا مضى نصف الساعة المضروب عاد الوسيط إلى حاله الأُولى من العلم باسمه الحقيقي.
وبهذه التجربة أثبت الأُستاذ أنّ المنوِّم (بكسر الواو) يستطيع أن يمحو من نفس وسيطه كلَّ أثر يريد محوه ، مهما كان ثابتاً في النفس ، كاسم الإنسان ، عنه. وبهذه التجربة أثبت أنّ للإنسان عقلاً باطناً مثل عقله المعتاد ، وأنّه في حالة التنويم يرى ويسمع من بعد شاسع ، وأنّ للتنويم درجات بعضها فوق بعض ، يزداد العقل الباطن سمواً بتنقله فيها ، إلى غير ذلك من الآثار الّتي ذكروها في محله(١).
إنّ هذه التجارب وأمثالها الّتي تكررت في عالم العلم كثيراً ، نوافذ على الغيب ، تهزّ ضمير الإنسان وتنبهه إلى أن لا يأخذه العجب بما أوتي من معلومات ضئيلة ، فينكر غير المحسوس والخارج عن عالم الطبيعة ، وليس الإنسان محروماً من التطلع إلى الغيب ، بل وشهوده ، بالطرق العلمية كالتي ذكرنا ، أو المعنوية كالكشف والشهود لأهلهما.
العقل الباطن في الكتاب والسنّة
وفي الذكر الحكيم والأحاديث الإسلامية إشارات إلى العقل الباطن والشخصية الثانوية للإنسان.
__________________
(١) مناهل العرفان في علوم القرآن : ١ / ٦٠ ـ ٦١.