وسيدي ، فأسألك بالقدرة الّتي قدّرتها ... أن تهب لي في هذه الليلة ، وفي هذه الساعة ، كل جُرْمٍ أَجْرَمْتُه ... وكلَّ سيِّئة أَمَرْتَ بإثباتها الكِرامَ الكاتبين الذين وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ ما يكون مني وجعلتهم شهوداً عليّ مع جوارحي ، وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم ، والشاهد لما خفي عنهم» (١).
٢ ـ تجرّد النفس
الأدلة القائمة على تجرّد النفس عن المادة ، وأنّها شخصية مستقلة لها السيادة والتسلط على المادة (البدن) ، نافذةٌ على الغيب تثبت أنّ ما وراء الطبيعة قابل للتعرف عليه. وفيما يلي نذكر أحد أدلّة وجود النفس المجردة ، وهو دليل من سنخ الأدلة الّتي يعتمد عليها علماء النفس في إثبات النفس وحالاتها.
ما هو المشار إليه بلفظ «أنا»
لم يزل كل واحد منّا ينسب أفعالاً كثيرة إلى نفسه الّتي يعبّر عنها ب «أنا» ، أو بالضمير المتصل ، ويقول : قرأت ، كتبت ، أردت ، أحببت ، بل لا يكتفي بذلك ، فيضيف أعضاءه إليها ، ويقول : يدي ، رجلي ، عيني ، قلبي ، وما شاكل ذلك. وهذا ممّا يتساوى فيه الإلهي والمادي ، ولا يمكن أن ينكره أحد.
غير أنّه يجب علينا أن نتعرف على تلك الحقيقة المعبّر عنها ب «أنا» الّتي تستند إليها الأحوال الروحية والخارجية.
فالحسيّون يقولون : ليس هنا إلّا مجموعة أفعال وأفكار وتصورات متلاحقة ، تشكّل هذه الحقيقة ، وليس لها حقيقة مستقلة. غير أنّ الإلهيين يعتقدون بوجود حقيقة مستقلة تقف وراء الأفعال الذهنية والخارجية ، وإليها تستند تلك الأفكار والتصورات والأفعال.
والّذي يبين صحة النظرية الثانية هو أنّ الأفعال البشرية ، رغم صدورها عن أعضاء مختلفة ، ينسبها الإنسان جميعها إلى مصدر واحد ويقول : أنا
__________________
(١) مصباح المتهجد ، للشيخ الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه) ، ص ٧٧٤ و «الإقبال» ، ص ٧٠٦.