إنّ الاستدلال بهذه الرؤيا ، على وجود عالم الغيب ، وإمكان التعرّف عليه ، بالطريق التالي :
إنّ هذه الرؤيا تكشف عن أحداث قطعية وقعت قبلها ، لم يكن الإنسان واعياً لها ولا مطّلعاً عليها ؛ أو بعد الرؤيا ، كما هو الحال في رؤيا النبي يوسف ، حيث يدلّ ذلك على أنّ للأحداث وجودات مثالية خارجة عن إطار المادة ، تتعرّف عليها النفس في ظروف خاصة ، حتّى قبل أن تتحقق. فالنبي يوسف رأى سجود والديه وإخوته له ، قبل مدّة طويلة من تحققه ، وقد ظهرت له هذه الحقيقة بصورة سجود الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً ، له.
وقد أفرط الغربيون في البحث عن هذا القسم من الرؤى ، واستنتجوا منها وجود عالم خارج عن إطار المادة ، فيه صور الأشياء.
وقد جاء في القرآن ذكر عدّة رئي صادقة رآها الأنبياء وغيرهم وتحققت بعد زمن من رؤيتها ، وهي (عدا رؤيا يوسف الّتي قد عرفت) :
ـ رؤيا أحد زميلي يوسف في السجن (١).
ـ رؤيا زميله الآخر(٢).
ـ رؤيا ملك مصر في عهد يوسف (٣).
ـ رؤيا النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم دخول مكّة (٤).
ـ رؤياه صلىاللهعليهوآلهوسلم نزو بني أُميّة على منبره (٥) (٦).
__________________
ـ البيّنات في حقيّة بعض المنامات» ، للمحقق التستري (١٣٢٠ ـ ١٤١٥ ه) وهو حيّ يرزق مدّ الله في عمره. وقد ذكر الأستاذ ـ دام ظلّه ـ نبذاً من ذلك في كتاب «الله خالق الكون» الذي أُلّف تحت إشرافه فلاحظ : ٣٨٧ ـ ٣٩١.
(١) قوله تعالى : (قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) يوسف : ٣٦.
(٢) قوله تعالى : (وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) يوسف : ٣٦.
(٣) قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ) يوسف : ٤٣.
(٤) قوله تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) الفتح : ٢٧.
(٥) قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) الإسراء : ٦٠. لاحظ في نزولها مجمع البيان : ٣ / ٤٢٤.
(٦) إن للفخر الرازي كلاماً في ذكر سبب الرؤيا الصادقة ، يقول : أمّا الرؤيا الصادقة ، فالكلام في ـ