٤ ـ البراهين العقلية
إنّ التعرّف على الموضوعات الغيبية ، كما يحصل بما ذكرنا من التقريبات ، يحصل بالبراهين العقلية القطعية التي تكشف عن وجود عَيْب مسلط على عالم الحضور والشهادة.
إنّ الشاك في عالم الغيب أو المنكر له ، لو فتح آذان عقله ، وأصغى إليها ، لأدرك أنّ عالم الغيب ليس بعيداً عن مرمى المعرفة. ولكنه لمّا ركز جهوده على التجربة ـ كما سيأتي ـ وأهمل الإمعان في هذه البراهين العقلية ، أنكر الغيب ، أو شكّ فيه ، أو حكم بتعذّر معرفة موضوعاته على فرض وجوده.
ونحن نذكر هنا رءوس بعضٍ من الأدلة التي استند إليها الإلهيون في الاستدلال على وجود عالم غيبي ، وسنفصل بعضها في بحث إثبات الصانع :
أ ـ برهان النظم
يبتني هذا البرهان أساساً على دلالة النظام الدقيق الموجود في الكون ، على وجود مبدع عظيم أبدعه ، بحكم عقلي بوجود رابطة منطقية بين النظم ودخالة الشعور ، وأنّ من الممتنع أن يكون النظم البديع وليد الصدفة أو خصوصيةٍ في المادة.
__________________
ـ ذكر سببها مبني على ذكر مقدّمتين :
إحداهما أنّ جميع الأُمور الكائنة في العالم ممّا كان وممّا سيكون وممّا هو كائن ، موجود في علم الباري ، والملائكة العقلية ، والنفوس السماوية.
وثانيتهما أنّ النفوس الناطقة من شأنها أن تتصل بتلك المبادئ وتنتقش فيها الصور المنتقشة في تلك المبادئ ، وإنّ عدم حصول تلك الصور ليس للبخل من جهة تلك المبادئ ، أو لعدم كون النفس قابلة لتلك الصور ، بل لأجل أن انغماس النفس في البدن ، صار مانعاً من ذلك الاتّصال التام. إنّ النفس إذا حصل لها أدنى فراغ من تدبير البدن ، اتّصلت بطباعها بالمبادئ ، فينطبع فيها من الصور الحاصلة عند تلك المبادئ ما هو أليق بتلك الأنفس وأولى الأمور بها ، ما يتصل بذلك الإنسان أو بأصحابه وأهل بلده وإقليمه. فإن كان الإنسان منجذب الهمّة إلى المعقولات ، لاحت له أشياء ، وما كانت همته في مصالح الناس رآها.
ثمّ أخذ بالكلام في التصرفات الّتي تطرأ على المنامات من جانب القوة المتخيلة.
لاحظ : المباحث المشرقية : ٢ / ٤٢١.