وهذا البرهان من قبيل الاستدلال بالأثر على المؤثر ، وهو استدلال رائج في العلوم ، وعليه ارتفع صرح العلم في الحضارة الحديثة.
في حين أنّ العلماء الطبيعيين يقصرون جهودهم على الطبيعة نفسها ، من دون تعد إلى سواها ، ترى الأنبياء والإلهيين ينتقلون من مطالعة عالم الظاهر بأسره ، والآيات الطبيعية والكونية بمجموعها ، إلى عالم الباطن وما وراء الطبيعة ، مستدلّين بالآيات على ذيها ، وبالآثار على مؤثّرها ، وبالنظم السائد عليها ، على دخالة علة شاعرة عالمة ليخلُصوا من ذلك إلى وجود قوّة غيبية أوجدت العالم ودبّرته بالسنن والنواميس.
فعالم الوجود متشكل من عالمي شهود وغيب ، وقد تبيّن للإنسان جزء من ذلك العالم المشهود عن طريق التجربة وغيرها ، وأمّا العوالم الغيبية ، فهي مغمورة تحت عالم الشهود ، والطريق إليها هو بالتدبر في الظاهر المشهود والعبور منه إلى الباطن : الإمعان في الجسم والتجاوز منه إلى الروح ، ومطالعة مجموع الكون والانتقال منه إلى وجود خالق مدبر ...
ب ـ برهان الإمكان
يبتني هذا البرهان على تقسيم المعقول إلى الواجب والممكن والممتنع ، وهو من التقسيمات العقلية الواضحة.
والممكن هو ما يحتاج في وجوده إلى علّة تخرجه من العدم إلى الوجود ، فهذا العالم الإمكاني يكشف عن وجود علّة أوجدته.
ثمّ يدور أمر تعيين هذه العلة بين عدّة فروض أكثرها باطل لأدائه إمّا إلى الدور أو إلى التسلسل الباطلين ، ويتعيّن منها انتهاء عالم الإمكان إلى علة فوقه ، واجبة الوجود ، هي الّتي أوجدته.
ج ـ حدوث المادة
أثبتت العلوم الطبيعية والبراهين الفلسفية أنّ وجود المادة حادث غير قديم ،