وأنّ للمادة بداية كما لها نهاية. ومن المعلوم أنّ الحدوث لا ينفك عن محدث ، تبعاً لقانون العلية والمعلولية ، فما هو المحدث للمادة؟ إنّه شيء غير المادة قطعاً ، فهو شيء غيبي محيط بالمادة ، وخصوصياتها(١).
د ـ برهان الصدّيقين
هذا البرهان يختلف عمّا تقدم من البراهين اختلافاً جوهرياً. فإنّ ما سبق من البراهين، يشترك في توسيط الخلق بين الإنسان والغيب. ولكن هذا البرهان لا واسطة فيه ، وإنّما يتوجه مباشرة إلى مطالعة الوجود ـ بما هو وجود ـ ليصل في النتيجة إلى أن هناك وجوداً واجباً ، ينبع وجوده من ذاته.
وإنّما اختصّ العرفاء به ، من بين سائر البراهين ، لأنّهم قالوا : إنّ وجوده سبحانه أجلى من أن يستدلّ عليه بشيء من الممكنات والمخلوقات ، فلا حاجة إلى شيء من هذه الوسائط ، وقد قرروه بوجوه مختلفة تلاحظ في محلّها(٢).
وفي بعض كلمات أهل بيت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أشار إلى هذا النوع من الاستدلال :
ـ يقول الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام في دعاء الصباح : «يا من دلّ على ذاته بذاته» (٣).
ـ يقول الإمام الشهيد الحسين بن علي عليهماالسلام في مناجاته يوم عرفة :
«كيف يُسْتَدَلُّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟!
__________________
(١) سيأتي في البحث في هذه البراهين الثلاثة بإسهاب في «الإلهيات» ، فصل إثبات الصانع.
(٢) قد قرر هذا البرهان بوجوه : الأوّل ـ ما أشار إليه الشيخ الرئيس وهو معروف بالتقرير السينوي ، لاحظ شرح الإشارات : ٣ / ١٨ و ٦٦. الثاني ـ ما أشار إليه صدر المتألهين والمعروف بالتقرير الصدرائي ، لاحظ الأسفار : ٦ / ١٣ ـ ١٦. الثالث ـ ما ذكره الحكيم السبزواري في تعاليقه على الأسفار ، لاحظ الموضع المذكور. الرابع ـ ما اعتمد عليه المؤسس العلامة الطباطبائي في تعاليقه على الأسفار (الموضع السابق) وأصول الفلسفة ، ج ٥.
(٣) بحار الأنوار : ١٨ / ٤٨٦ الباب ٦٦ ، الطبعة الحجرية.