أي الخارج عن الحسّ ، ليس أمراً محالاً ، بل أمر واقعي موضوعي ، معتَمَدٌ في جميع أبواب العلوم.
وقد حان الآن وقت البحث عن الحوافز الّتي دفعت بعض العلماء الطبيعيين إلى تخصيص المعرفة بالأُمور المحسوسة أو المادية ، وإخراج ما وراء الطبيعة من جدول موضوعات المعرفة.
* * *
دوافع إخراج العوالم الغيبية عن إطار المعرفة
كانت النظرية السائدة بين العلماء الواقعيين الموضوعيين ، أنّ حدود المعرفة لا تنحصر بالمحسوسات والماديات ، بل تعمّها وغيرها ، وأنَّ الإنسان بما أُوتي من أدوات كثيرة للمعرفة ، يستطيع أن يتعرّف على عالم الغيب من طرق علمية أو فلسفية أو عن طريق الكشف والشهود ، كلٌّ بما أعطي من موهبة.
ولما جاءت الحضارة الصناعية ، وأوجدت ما أوجدت من رجّةٍ كبرى في المحافل العلمية ، صار بعض المتقولين في العلوم المادية إلى تبنّي نظرية أُخرى ، وهي أنّ ما وراء الطبيعة خارج عن حدود المعرفة ، لا يتعلق به العلم. بل ربما تجاوزوا هذا الحدّ وقالوا إنّ المعرفة إنّما تتعلّق بظواهر المادة فحسب ، لا بها نفسها.
وقد كانت الدوافع النفسية إلى تبنّي هذه النظرية أُموراً نذكر منها ما يلي :
الدافع الأوّل : تخصيص أداة المعرفة بالتجربة وما يضاهيها
تطرّف بعض الطبيعيين ـ من عصر بيكون فما بعده ـ في التجربة ، فزعموا أنّها الأداة الوحيدة للتعرّف على الحقائق ، وأنّ ما لا يقع في إطار التجربة ، فهو إمّا معدوم ليس بموجود ، أو يستحيل التعرّف عليه. ولأجل ذلك شطبوا على جملة المعارف الإلهية ، والعوالم الغيبية ـ حتّى عالم الأرواح ـ بخطّ عريض قائلين بأنّا لا نرى أثراً لتلك الموجودات تحت أجهزة الاختبار.