وإذا كان الجوهر في التفاحة بهذه المنزلة ، فالقضايا الفلسفية الّتي تعالج موضوعات ميتافيزيقيّة ، ليست كلاماً مفهوماً ، لعدم توفّر الشرط الأساسي للكلام المفهوم فيها ، وهو إمكان وصف الظروف الّتي يعرف فيها صدق القضية أو كذبها. ولذلك لا يصحّ أن توصف القضية الفلسفية بصدق أو كذب.
يلاحظ عليه :
أولاً ـ إنّهم قد أخذوا موقفاً مسبقاً في معنى الواقعية ، حيث فسّروها بعالم الحسّ والمادة ، وزعموا أنّ كل ما له صورة في عالم الحسّ ، فله واقعية يتمكن بها الإنسان من توصيف القضية بالصدق أو الكذب. وبعبارة أُخرى : له معطيات في حالة الصدق ومعطيات حالة الكذب.
وأمّا ما ليس له معطيات حسيّة ، فلا يملك واقعية يتمكن بها الإنسان من الإذعان بصدقها أو كذبها.
ولكن هذا مصادرة على المطلوب ، إذ لم يستدلوا بشيء على انحصار الواقعية بعالم الحسّ ، وأنّه لو لا تلك الصورة لما أمكن تصديق ولا تكذيب شيء من القضايا.
ولذلك ، فلو قلنا بأنّ الواقعية ليست منحصرة بعالم الحسّ ، بل هي أعمّ منه ، وأنّ هناك مقاييس ومعايير أُخرى يتمكن بها الإنسان من توصيف القضايا بالصدق أو الكذب ، فتكون محاولتهم فاشلة ، إذ للإنسان أن يدرس القضايا الفلسفية في ضوء تلك المقاييس والمعايير ، ويصفها بالصدق أو الكذب.
أجل ، إنّ العالِم الميتافيزيقي يرى الواقعية أوسع ممّا ذكره الوضعيون ، كما يرى المقاييس الّتي تُزَوِّدُ الإنسان بالمقدرة على وصف القضايا بالصدق أو الكذب ، أعمّ من الحسّ. وقد عرفت فيما مضى أنّ من الطرق الرائجة عند العلماء ـ حتّى التجريبيين ـ الاستدلال بالآية على ذيها ، وأنّ النُّظُم السائدة على الطبيعة بأسرها ، آيات تعرب عن سيطرة قوة هائلة عظيمة على هذا العالم ، من ذرّته إلى مجرّته.
وثانياً ـ لو اقتصرنا في توصيف القضايا ، على ما له معطيات حسيّة ، فيجب أن تخرج القضايا العلمية الّتي لا تعبّر عن معطىً علمي ، عن إطار