مكتسبة كما عرفت (١).
الدافع الرابع ـ الثأر من جَوْر الكنيسة
لقد كان سلوك أرباب الكنائس ومحاكم التفتيش الكنسيّة في القرون الوسطى من العوامل القوية الّتي دفعت بعض المفكرين والمثقفين الغربيين باتجاه المادية ، واتّخاذ موقف سلبي من الدين والميتافيزيقية ككل.
لقد تحولت هذه المحاكم من ملاحقة المرتدين عن العقيدة الكاثوليكية ، إلى مطاردة ومعاقبة العلماء والمفكرين الذين يكتشفون أشياء في الكون والطبيعة ، ويتراءى أنّها حركة ضد الكنيسة.
ولقد آل أمر تلك المحاكم إلى ارتكاب مجازر شنيعة ، بلغ عدد المعدومين والمحروقين فيها أزيد من ثلاثمائة ألف ، أُحرق منهم اثنان وثلاثون ألفاً أحياء ، منهم العالم الطبيعي المعروف «برونو» ، الّذي كان جرمه أنّه حاول إحياء نظرية «فيثاغورس» في حركة الأرض والسيارات المناقضة لنظرية «بطليموس». كما صدر حكم الإعدام على العالم الفلكي الكبير «غاليليو» (٢) (١٥٦٤ ـ ١٦٤٢ م) لتأييده نظرية «كوبرنيك» (٣) (١٤٧٣ ـ ١٥٤٣ م) في دوران الأرض على ذاتها وحول الشمس.
لقد تطورت محاكم التفتيش الكَنَسِيّة إلى جهاز جهنمي يعارض كل تقدّم علمي ، وكل شكل من أشكال الحرية الفكرية ، بأعنف الوسائل وأشدّها.
وقد أحدث كل ذلك ردّة فعل سلبية تجاه الكنيسة ومبادئها ، وأوجد فكرة فصل الدين عن العلم ، بزعم أنّ الدين ـ بأي لون كان ـ يكافح الرُّقي والتقدم والحضارة. وظهرت بالنتيجة ، موجة الشك بالعوالم الغيبية بل إنكارها من أساسها.
__________________
(١) سنطرح شبهة الوجوديين ونجيب عنها مفصلاً عند البحث عن أفعال العباد في دائرة العدل الإلهي.
(٢)oelilaG.
(٣)cinrepoC.