الفصل التاسع
هل المعرفة مجرّدة أو ماديّة؟
أثبتت التجارب والمشاهدات العلمية أنّ المادة الخارجية تؤثّر في الأعصاب عن طريق الحواس ، وأنّ الإنسان إذا استعمل إحدى حواسه ، بأن أطل بنظره على الموجودات ، أو لمس بيده شيئاً ، أو استمع إلى مقال قائل ، وهكذا ... ، يحدث بنتيجة ذلك أثر ماديّ في الأعصاب والخلايا الدماغية. وهذا الأثر المادي يدور وجوده وعدمه مدار إعمال الحواس وعدمه ، فإذا توقف الحسّ عن العمل انعدم الأثر ، وإذا انطلق تجلّى الأثر في الدماغ ومحالّ الإدراك.
ولكن هل حقيقة العلم والإدراك هو ذاك الأثر المادي البارز في الأدمغة عند حصول الإدراك ؛ أو أن العلم والإدراك شيء وراء ذلك ، ولا تكون تلك الطوارئ المادية سوى معدات لحصول الإدراك والعلم؟
هذا هو السؤال الّذي نجيب عنه في هذا الفصل ، وفي هذا المجال اتجاهان متغايران :
فالماديون ـ بما أنّهم يرون الوجود مساوياً للمادة ـ يقولون بأنّ العلم هو نفس الآثار المادية الظاهرة في المراكز الإدراكية عند الإدراك.
وأمّا الإلهيون ـ الذين أقاموا براهين دامغة على أنّ الوجود أعمّ من المادة ، وأنّه ينقسم إلى مجرّد ومادي ـ يقولون : إنّ العلم شيء وراء ذلك الأثر ، وإنّ له وجوداً خاصاً غير مادي. وإليك فيما يلي البراهين الّتي أقاموها على تجرّد