المرحلة الرابعة : التشخيص ، وهو القضاء بأنّ هذا عين ما أدركه سابقاً وليس أمراً موهوماً ، ولا إدراكاً جديداً.
والنقطة الحساسة الّتي حاروا فيها هي تفسير المرحلة الثانية ، وأنّه كيف يحفظ الذهن الصورة المدرَكة مدة من الزمن ، مع كونها مغفولاً عنها ، إلى زمان التذكر الّذي هو ثالث المراحل ، وهاهنا افترضوا فروضاً.
الفرضية الأُولى : ما روي عن بعض الأغارقة من أنّ الصورة المعلومة تنتقش في الذه ، وتبقى بعينها في الدماغ.
ولكن هذه الفرضية مردودة من أساسها ، لأنّها تبتني على ثبات المادة وقرارها.
الفرضية الثانية : ما ذهب إليه «ديكارت» (١٥٩٥ ـ ١٦٥٠ م) ، من أنّ الإحساس الابتدائي يودع آثاراً وخطوطاً في الدماغ ، كلما توجهت إليها النفس ، وحصل التفات من الروح إليها ، تؤثّر تأثيراً مشابهاً ، وتطرأ ـ عند ذاك ـ في الذهن صور وهيئات وأصوات تماثل الإحساس الابتدائي.
وما ذكره مبني على أمرين :
أ ـ استقلال الروح عن البدن ، الّذي كان يتبنّاه «ديكارت».
ب ـ الإدراك أثرٌ مادي في الدماغ.
والأوّل مردود بما ذكره المحققون الإلهيون.
والثاني مردود بما تقدم من تجرّد الإدراك.
الفرضية الثالثة : ما يذكره بعض الماديين المعاصرين ، يقولون : إنّ الإحساس الابتدائي يورث أثراً مخصوصاً في نقطة خاصة من الدماغ بعد زوال الإدراك ، وارتفاع الصورة العلمية ، عند تعطيل الحواس. وكلّما أراد الإنسان إعادة تلك الخواطر ، تتأثر تلك النقطة بعوامل خارجية وداخلية ، كالإرادة وغيرها ، فيحصل هيجان في الأعصاب ، وتتولد صور علمية جديدة تماثل السابقة.