الثالث بالوحدة بينهما ، يكون الموضوع قد تبدل إلى شيء آخر ، بل المحمول ـ كذلك ـ تبدل إلى أمر آخر ، فكيف يمكن حصول التصديق أعني الحكم بأنّ هذا ذاك؟
وعلى القول بأنّ للصور العلمية : مفرداتها ومركباتها ، وجودات مجردة ، نزيهة عن المادة وعوارضها ، فإذا تصور الموضوع ، يبقى على ما تصور إلى أن يحمل عليه المحمول ، ويحكم بالهوهوية والاتّحاد.
ولْيُعْلَم أنّ ما ذكرناه هنا يغاير ما ذكرناه في الدليل الثالث ، فإنّ ما ذكرناه سابقاً مبني على أنّ التصديق عار عن الآثار الماديّة ـ وهو عدم قابليته للانقسام ـ والدليل الحاضر قائم على أساس أنّ مادية الإدراك ، تَجُرّ الماديَّ ـ لا محالة ـ إلى القول بامتناع تحقق التصديق. فالدليلان متغايران جوهراً.
إجابة الماديين عن الاستدلال
إنّ للماديين حول هذا البرهان تكلّف وتجشم ، لا بأس بالإشارة إليه. وهو أنّ القوى المدرِكة ، والصور العلمية ، بما أنّها أُمور مادية ، تتحول وتتبدّل آناً بعد آن. وعلى ذلك فالموضوع المتصور أولاً ، وإن كان غير باق بعينه عند حمل المحمول عليه ، إلّا أنّه تبدّل إلى موضوع مماثل يتخيّل الإنسان أنّه نفس الأوّل ، فيحمل المحمول على المُتَبَدَّل إليه لا المتبَدِّل.
يلاحظ عليه :
إنا ذكرنا سابقاً أنا نرجع إلى قولهم هذا : إن الإنسان يتخيّل الموضوع باقياً لا متبدلاً إلى موضوع مماثل ، فعندئذٍ يحمل الموضوع عليه ، فنقول : إنّهم يدّعون إذن أنّ الإنسان يتخيّل المتحرك (الموضوع) ثابتاً ، وهذا لا يجتمع مع ماديّة الإدراك ، لأنّ الصورة العلمية ـ على ما يقولون ـ ثابتة وقارّة في ظرف الإدراك. فهل لها وجود مستقل عن الدماغ المادي؟ ، فهذا هو المطلوب ، ومعناه أن للعلم فرداً مجرّداً عن المادة. أم أنّها مادية كما يزعمون ، لكنه مناقض لمبادئ المادية القائلة بشمول الحركة والتبدل لعامة الماديات.