الجهة السادسة ـ لزوم الوحدة بين الصورة ومُدْرِكها
من الأُمور الّتي تلاحظ على تعريف العلم بانعكاس الخارج في الذهن ، أنّ العلم لا يتحقق بنفس الانعكاس فقط ، وإلّا يلزم تسمية انعكاس الصور الخارجية في المرآة وعلى صفحة الماء ، علماً ، مع أنّه ليس بعلم قطعاً ، وإنّما يتحقق العلم باتّحاد الصورة الحاصلة في النفس مع مدرِكها (بالكسر) ، سواء أقلنا إنّ تلك الصورة أمر مادي ، كما عليه الماديّون ، أو إنَّها أمر مجرّدٌ عن الجسم والجسمانيات. ولو لا تلك الوحدة ، للزم أن لا يتحقق هناك علم ، ولا يتّصف الإنسان بالعالمية ، والخارج بالمعلومية.
وبعبارة أُخرى : لا بُدّ في تحقق العلم من اتحاد بين المدرِك (بالكسر) والمعلوم بالذات ، ويُعَدّ وجود الصورة العقلية ـ عند ذاك ـ من مراتب وجود النفس المُدْرِكة. فمآل اتّحاد العاقل والمعقول إلى اتّحاد وجود الصورة الذهنية مع النفس في مرتبة من مراتب وجودها.
وإيضاحاً للمقصود نقول : إنّا إذا أردنا أن نتعقل مفهوم شيء من الأشياء ، كالشجرة ، فلا بدّ من وجود أشياء :
١. النفس المدرِكة (بالكسر) العاقلة.
٢. ماهية النفس المدرِكة (بالكسر).
٣. المعقول بالذات ، أعني وجود الشجر المعقول بالقوة العاقلة.
٤. ماهية المعقول بالذات.
٥. المعقول بالعرض ، أعني وجود الشجر الخارجي.
٦. ماهية ذلك المعقول بالعرض.
والمراد من اتّحاد العاقل والمعقول ، بكلمة موجَزَة ، هو اتّحاد الثالث مع الأوّل ، بمعنى أنّ الإنسان المدرك يتكامل بتلك الصُّوَر العلمية ، وتُعَدُّ من مراتب وجوده ، كما أنّ الأعراض كذلك بالنسبة إلى الجواهر الخارجية ، ولا يراد من اتّحادهما ، اتّحاد ماهية العقل ـ أي النفس الإنسانية ـ مع ماهية المعقول بالذات ، إذ من المعلوم أنّا اذا تعقلنا شجرة ، لا تصير ماهية الإنسان المدرِك عينَ ماهية الشجرة ، وإذا تعقلنا حجراً ، لا تصير ماهيتنا عين ماهية الحجر. وإنّما المراد ـ كما