الأمر الرابع : عُقْدة الوجود الذهني
لقد جوبه القائلون بالوجود الذهني للأشياء الخارجية ، بإشكال عويص ، وصفه صدر المتألهين (١) والحكيم السبزواري بأنّه «جَعَلَ العقول حيارى والأفهام صرعى». وهذا الإشكال مبني على أمرين مُسَلّميْن :
الأوّل : أنّ العلم كيفية نفسانية ، فهو من مقولة الكيف النفساني.
والثاني : أنّ الصورة الذهنية متحدة مع محكيّها في الماهية ، وإن اختلفا وجوداً وتحقُّقاً ، لما تقدّم من أنّ كاشفية الصور الذهنية ، رهنُ كونها متحدة مع الخارج ماهية ، فيجب أن يكن العلم بالجوهر جوهراً ، والعلم بالكيف كيفاً ، والعلم بالكم كمّاً ، وهكذا.
وعند ذلك يتوجه الإشكال ، وهو أنّه إذا تعلّق العلم بالجوهر ـ كالإنسان ـ وجب أن تكون الصورة الذهنية الواحدة داخلة تحت جنسين عاليين متباينين. إذ من جانب ، إنّ العلم من مقولة الكيف ، فالصورة الذهنية كيفٌ. ومن جانب آخر ، إنّ الصورة الذهنية متحدة مع الواقعية الخارجية في الماهية ، وهي هنا جوهر ، فيجب أن تكون الصورة جوهراً. فكيف يمكن أن يكون شيء واحد (الصورة الذهنية) مُجَنّساً بجنسين عاليين ، أعني أن يكون كيفاً ، وفي الوقت نفسه جوهراً. هذا محال ، لأنّ لازمه اجتماع المتباينين في شيء واحد ، أو تحت أمرين متباينين.
ولا يختص الإشكال بالعلم بالجواهر ، بل يطّرد في العلم بالأعراض في غير الكيف ، كما في الكمّ والوضع ، مثل السطح والانتصاب ، فيلزم أن يكون العلم بالكم ـ كالمثلث ـ كيفاً من جهة ، وكمّاً من جهة أُخرى.
بل يمكن تقرير الإشكال في العلم بالكيف نفسه أيضاً ، إذا تعلّق بالكيف المحسوس ، كالسواد ، فيلزم أن يكون شيء واحد (الصورة الذهنية) كيفاً نفسانياً من جهة ، وكيفاً محسوساً من جهة أُخرى.
__________________
(١) الأسفار : ١ / ٢٩٨.