فلا بدّ إذن من رعاية شرائط مادة كل قياس. وقد مضى أنّ المعرفة ، كما تصدق على المعرفة اليقينية ، تصدق على المعرفة الظنية أيضاً ، على تأملٍ كما سبق. وهذه الأقيسة الثلاثة مشتملة على المعرفة : إمّا يقيناً للمستدلّ ، أو يقيناً عند من يحتج عليه ، أو ظناً عند المخاطب.
وأمّا القياس الشعري ، فلا يفيد معرفة ، لأنّ الغرض من الشعر ليس سوى التأثير على النفوس لإثارة عواطفها ، من سرور وابتهاج أو حزن وتألم ، أو إقدام وشجاعة أو غضب وحقد أو خوف وجبن ، أو تهويل أمر وتعظيمه أو تحقير شيء وتوهينه ، أو نحو ذلك من انفعالات النفس ، باستخدام الأوزان الشعرية لما فيها من نغمة تلهب الشعور وتحفزه.
وهكذا قياس المغالطة ، لا يفيد معرفة ، فإنّ الهدف منها تعمّد تغليط الغير. نعم ، قد تقع عن قصد صحيح لمصلحة محمودة ، مثل اختباره وامتحان معرفته ، فتسمّى امتحاناً أو مدافعةً ؛ أو تعجيزه إذا كان مبطلاً مصرّاً على باطله ، فتسمّى عناداً. ومع ذلك ، فالرجل المغالط يجب أن يراعي شرائط المغالطة حتّى تترتب عليه النتيجة المرجوة.
إلى هنا تمّ بيان شروط المعرفة ، بياناً خاطفاً وعلى وجه الإجمال.
موانع المعرفة
موانع المعرفة على قسمين :
ـ موانع خارجية لا صلة لها بمتون الأقْيِسَة والاستدلالات.
ـ وموانع داخلية مرتبطة بها.
١ ـ الموانع الخارجية للمعرفة
الموانع الخارجية ، وقد نسميها موانع روحية ، تتلخص بالتحلّي بالفضائل ، والاجتناب عن الرذائل الخلقية الّتي تكون حائلاً بين الإنسان ورؤية الواقع. فإنّ الإنسان العاشق للحقيقة ، المتحري لها ، يتعرف عليها بسهولة ، إذ ليس بينه