نعم ، لا بأس بعدّ التقليد من أقسام العلم إذا حصل منه اليقين. كيف ، وكثير من الموحّدين متيقنون بمبادئ التوحيد والرسالات ، تقليداً لآبائهم ، وتبعاً للظروف والمحيط ، من دون أن يختلج في ضمائرهم شك أو ريب (١).
* * *
النتيجة
فتبين أنّ تعريف العلم بكونه صورة حاصلة من الخارج لدى النفس ، تعريف ناقص لا يعم جميع الأقسام ، فإن هناك علوماً لا تقف النفس عليها بالاتّصاف بالخارج ، وإنّما تقف عليها من صميم ذاتها في ظل عمليات ذهنية خاصة(٢).
* * *
سؤال وجواب
السؤال ـ إنّ هذه الجهات أوقفتنا على أنّ للإنسان معرفة تحصل في ذهنه لا من جهة اتّصاله بالخارج عن طريق الحواس. ولو صحّ ذلك ، فما معنى قوله سبحانه : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣). فإنّ معناه أنّ الإنسان عند ما خرج من بطن أُمّه وظهر إلى هذا العالم ، كان جاهلاً محضاً غير واقف على شيء ، وإنّما صار عالماً من طريق اتّصاله بالخارج عبر الأجهزة الحسّية أعني : السمعُ البصر. فما يدركه الإنسان من العلوم ، إنّما يدركه عن طريق الحواس. ومع ذلك ، كيف يصحّ ادّعاء حصول معارف وعلوم في الذهن من غير هذا الطريق؟
__________________
(١) وإن كانوا يتزلزلون عند طروء الشبهات ، ولكن ذلك أمر آخر.
(٢) مضافاً إلى ما عرفت من أن مجرد الانعكاس لا يحقق العلم ، بل لا بد من وجود وحدة بين المدرِك والمدرَك.
(٣) النحل : ٧٨.