ونضيف أخيراً : كما أنّ إجراء قوانين الطبيعة الصمّاء على الإنسان وإلزامه بأن يتّخذها أُسوةً وقدوةً له في حياته ، أمرٌ باطل لا ينسجم مع طبيعة الإنسان ؛ فهكذا إجراء حكم الإنسان على الطبيعة ، وتصوير مجموع العالم بصورة إنسان كبير ، ذي قلبٍ ودماغٍ وكبد وسائر أعضاء الإنسان ، كما ذهب إليه بعض قدماء الحكماء عند بيان أنّ العالَم إنسانٌ واحد ، وله إلهٌ واحدٌ ، فإنَّه تشبيهٌ محضٌ ، وخَيالٌ صِرْف ، ليس له أَيّةُ لمسة من الواقع والحقيقة. يقول الحكيم السَّبْزَواري :
إنّ السماءَ كلَّها أحياءُ |
|
والشمسُ قَلْبٌ غيرُها الأَعضاءُ |
وقال في شرحه : إنّ القلب الصنوبري في الإنسان الصغير ، أشرف الأعضاء ، وله الرئاسة ، كذلك الشمس في الإنسان الكبير ، سيد الكواكب ، وله الرئاسة على كل الاجسام ، وغيرها الأعضاء الأُخر للإنسان الكبير من الرئيسة والمرءوسة (١).
وحصيلة البحث أنّ الأخلاق والقوانين الحاكمة على المجتمعات الصغيرة والكبيرة ، الّتي عليها تكاملها ، لا يمكن أن تمليها الطبيعة الصمّاء على الإنسان ، بل يمليها عليه عقله وتجربته ، فما كان مفيداً لحاله وحال مجتمعه ، يقتبس منه ، وما كان ضاراً له ، يرفضه (٢).
* * *
النظرية الثانية : تأثير الحكمة النظرية في العملية بنحو المقتضي
هذه النظرية هي النظرية المعتدلة بين من يعتقد بأنّ الحكمة العملية تستنتج من النظرية وأنّ وزان الثانية إلى الأُولى وزان العلة إلى المعلول ، وبين من ينفي أيّة
__________________
(١) شرح المنظومة ، لشارحها : ١٤٦. وذكر في هامشه تشبيهاً لكل من السيارات السبع بعضو من أعضاء بدن الإنسان ، فلاحظ.
(٢) أشرنا في أفصل شرائط المعرفة وموانعها إلى سقوط الماركسية فكراً وقانوناً وأخلاقاً ، وما ذلك إلّا لكونها مبنية على قوانين الطبيعة ـ الّتي زعموها ـ ومنافاتها للفطرة ، وعدم صلاحيتها للإنسان. ومثلها ستكون عاقبة كلّ السياسات والمخططات الحزبية والقوانين الوضعية المأخوذة من الطبيعة ولا تلائم الإنسان.