نعم ، إنّما اكتفى بالسمع والأبصار مع أنّ الطريق لا ينحصر بهما ، لأجل شرافتهما ، وإلّا فإنّ من المعلوم أنّهما لا يغنيان عمّا يُدْرَكُ بالشمّ والذوق واللمس.
الجواب ـ إنّ هناك فرقاً بين القول بأنّها حاصلة في الذهن من دون أن يكون للخارج أدنى تأثير فيه ، لا مباشر ولا غير مباشر ؛ والقول بأنّها تحصل في النفس بعمليات ذهنية من دون انعكاس مباشر من الخارج ، وإن كان لصلة الإنسان بالخارج عبر حواسه ، تأثير في جميع علومه ومعارفه ، بحيث لو كان الإنسان فاقداً لجميع أدواته الحسيّة ، لما كان قادراً على تصوّر شيء وتصديقه. حتّى أنّ البديهيات الّتي ربما يتصور الإنسان أنّ النفس تنالها من صميم ذاتها ، كاستحالة اجتماع المتناقضين وامتناع ارتفاعهما ، إنّما تنالها عبر اتّصالها بالخارج في شتّى الموارد. فلولا الحسّ لما وقف الذهن على مفهوم الاجتماع ، كما أنّه لولاه لما وقف على مفهوم النقيض أو النقيضين. فالتصديق بالامتناع إنّما يحصل بعد مُعِدّات تعطي له إدراك هذا الحكم بضرورة وبداهة.
* * *
الصحيح في تعريف العلم
قد عرفت أنّ الباحث في غنى عن تعريف العلم ، لأنّه من المفاهيم الّتي يتعاطاها في يومه وليله ، غير أنّا إذا أردنا صياغته في قالب مضبوط ، نقول : إنّ العلم عبارة عن حضور المعلوم لدى العالم ، إمّا حضوراً بالمباشرة أو بغيرها. وهذا التعريف يشمل جميع أقسام العلم الحضوري والحصولي ، فإنّ المعلوم بالعلم الحضوري حاضر بنفسه لدى النفس ، والمعلوم بالعمل الحصولي ، أعني المعلوم بالعرض ، حاضر لدى النفس بتوسط صورته العلمية.
وعلى ضوء ذلك ، تقف على أنّ كلّ ما نسميه علماً ، يدخل تحت هذا العنوان : حضوره لدى العالم.
* * *