الجزئي» لعلّه إشارة إلى ما حققناه وهو أنّ المقدمات الأولية أو الذائعة أو التجربية ، الّتي هي من شعب العقل النظري ، لا تكفي في الانتقال إلى حكم جزئي عملي فيما يجب أن يُفعل من الأُمور الإنسانية ، بل هي بمنزلة المقتضي ، ولا بُدّ أن ينضم إليها حكم عملي كلي واضح بالذات أو منتهٍ إليه.
منشأ الرابطة بين الحكمتين
أول من طرح السؤال حول ارتباط الحكمتين النظرية والعملية بصورة الشبهة والإشكال، الفيلسوف الإنكليزي دافيد هيوم (١) (١٧١١ ـ ١٧٧٦ م) ، فقد ذكر أمرين هما :
١. إنّ طريقة البحث في الحكمة النظرية تغاير طريقته في الحكمة العملية ، وهذا واضح. فالباحثون في الحكمة النظرية يبحثون عن الوجود واللاوجود ، مثلاً يقولون : «الخالق موجود». وإذا وردوا الأبحاث الأخلاقية ، يتغيّر عنوان البحث ، فبدلاً من أن يقولوا موجود او غير موجود ، يحكمون بلزوم الفعل أو الترك ، فيقولون مثلاً : «اعبُدوا الخالق».
فالنسبة في الحكمتين متغايرة ، فهي في الحكمة النظرية تدور بين الوجود والعدم ، وفي الحكمة العملية تدور بين الوجوب والحرمة.
٢. إنّهم يستدلّون بقضايا الحكمة النظرية على قضايا الحكمة العملية ، بمعنى أنّهم يستدلّون بالقضايا المخبرة عن وجود الشيء أو عدمه ، على لزوم ترك شيء أو عدمه. وإن شئت قلت : يستدلون بضرورة الوجود وعدمه ، على ضرورة الإتيان وعدمه ، فأي رابطة منطقية بين النسبتين والاستنتاجين؟ (٢).
يلاحَظ عليه : أمّا فيما ذكره أولاً : فإنّ اختلاف النسبتين ليس أمراً بديئاً في
__________________
(١)emuH divaD. كان ـ باعتراف المؤرخين في الفلسفة ـ شكّاكاً وخصماً لكافة الأديان المقررة ، وقد ذاعت شهرته باعتباره «زنديقاً» ، (لاحظ الموسوعة الفلسفية المختصرة : ٥٢٥).
(٢) نقل ذلك الأُستاذ مهدي الحائري في كتابه : تعمقات العقل العملي ، وقد أوضحناه وقررناه بعباراتنا.