يوصلنا إلى النتيجة الجزئية العملية ، وهي وجوب خضوع الإنسان لله تعالى ، وهو كالتالي :
ـ الإنسان (بما أنّه جزء من السموات والأرض) ، فقير إلى الله تعالى.
ـ وكل فقير إلى الله تعالى ، يجب أن يخضع له.
فالإنسان ، يجب أن يخضع لله تعالى.
وأمّا الآية الثالثة ، فإنّه سبحانه لما علّم آدم الأسماء كلَّها ، وعرّفه حقائق الأشياء ، وقف من جملة ما وقف عليه ، على أنّ الأكل من الشجرة المعلومة ، موجب للشقاء ، وكل ما يوجب الشقاء يجب الاجتناب عنه (كبرى عملية) ، فيستنتج من ذلك أنّ الأكل من هذه الشجرة المعلومة يجب الاجتناب عنه.
وأمّا الآية الرابعة ، فتُعلم ممّا ذكر من الآيتين الأُولَيين ، فإنَّ ذكرَ الله سبحانه قياماً وقعوداً ليس إلّا خضوعاً واستسلاماً لله عزوجل. وما في السموات والأرض من الآيات ، يدلّ على خضوع جميع الموجودات لله تعالى ، لفقرها إليه ، والإنسان فقير مثلها ، فيجب أن يخضع لله ويذكره قياماً وقعوداً.
وهكذا سائر الآيات ، تستتر فيها أقيسة عقلية تظهر بالتدبر ، وتدفع الإنسان إلى لزوم تبني النتيجة العملية ، فلا حاجة إلى ذكرها جميعها وإنّما نكتفي بالآية الأخيرة وهي قوله: (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) ، حيث رتّب عليها قوله : (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ). فإنّ الآية الأُولى ترشد إلى سنّة طبيعيّة ، وهي أنّ كل ظاهرة يسودها النظام إنّما تستمر في بقائها ، إذا سادها التعادل (الميزان) (١). والإنسان بما أنّه من صغريات هذا الموضوع ، فلا يستمر له البقاء إلّا إذا ساد على حياته الفردية والاجتماعية ، العلمية والعملية ، التعادل والتوازن ، فلا يصدر عنه من عمل ولا فكر ، إلّا بميزان يعدّله ويقوّمه ، فلا يظلم ولا يُجْحف ولا يُخْسِر.
* * *
__________________
(١) جاء في «الإلهيات» في مباحث المعاد أنّ «الميزان» أعمُّ من ميزان الأثقال ، ويراد منه عموم ما تُقَدَّر به الأشياء ، حتّى لو كانت أفعالاً وأقوالاً وعقائد ، كما يؤيّده قوله سبحانه ؛ (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الحديد : ٢٥.