الوجدانيات من أقسام العلم البديهي ، والمدرَكات بالحواس الخمس من العلم الحسيّ (١).
وفيما ذكره مجال للتأمّل :
أمّا أولاً : فلأنّ مَقْسَمَ الضروري والكسبي هو العلم الإمكاني الحادث لا العلم الأزلي الواجب غير الحادث ، فلا وجه للبحث عن علم الباري هنا بعد عدم دخوله في المقسم كما اعترف هو.
وثانياً ، فلأنّ العلوم الحسيّة من أقسام البديهية ، والحس أصل ومبدأ لها ، فلا تكون قسيماً للبديهي.
ثمّ إنّ لكلٍّ من الضروري والكسبي أقسام ، نذكرها فيما يلي :
أ ـ أقسام الضروريات
تنقسم القضايا اليقينية إلى ضروريات (بديهيات) ، وكسبيات (نظريات) تنتهي لا محالة إلى الضروريات. فالبديهيات إذن هي أُصول اليقينيات ، وهي على ستة أنواع بحسب الاستقراء : أوليّات ، ومشاهدات ، وتجريبيات ، ومتواترات ، وحدسيات ، وفطريات. وإليك فيما يلي بيان كلٍّ منها إجمالاً :
١. الأوليات ، وهي قضايا يصدّق بها العقل لذاتها ، أي بدون سبب خارج عن ذاتها ، بأن يكون تصور الطرفين مع توجه النفس إلى النسبة بينهما ، كافياً في الحكم والجزم بصدق القضية. فكلما تيسر للعقل أن يتصور حدود القضية (الطرفين) على حقيقتها ، وقع له التصديق بها فوراً ، مثل قولنا : الكل أعظم من الجزء ، والنقيضان لا يجتمعان.
٢. المشاهَدات ، وهي القضايا الّتي يحكم بها العقل بواسطة الحس ، ولا يكفي فيها تصور الطرفين مع النسبة. والحس على قسمين : ظاهري وباطني. فالحكم بأنّ الشمس مضيئة ، والنار حارّة ، يحكم به العقل بواسطة الحسّ
__________________
(١) أصول الدين للبغدادي : ٨ ـ ٩.