العلم بالشيء عين الكشف عنه ، فلا يصحّ لنا الاعتراف بالعلم من دون المعلوم ، ولا بالصورة الإدراكية من دون مكشوفها.
والمؤمن بالحقائق لا يدّعي أنّ الإنسان يصل إلى الخارج الموضوعي بوصف كونه موجوداً خارجياً حاضراً بنفسه عند المدرك لا واسطة الصورة الذهنية ، بل كلُّ من سلك منهج اليقين لا يريد إلّا الوصول إلى الواقع عن طريق صُوَرِه الحاضرة لدى مداركنا ، الكاشفة عن الأعيان الخارجية.
الشبهة الثالثة : خطأ الإدراكات العقلية
لو كان العلم كاشفاً عن معلوم سواه ، لكان الكشف خاصيّة لازمة له ، ولكان العلم على نحو الإطلاق ، كاشفاً عن وجود معلومه من غير تخلُّف ، مع أنّه باطل بضرورة العيان ، لكثرة الأغلاط والتناقضات في مختلف العلوم.
وبعبارة أُخرى : إنّ عشاق البراهين الفلسفية ، مع ما تجهّزوا به من الفنون الصائنة عن الخطأ ـ على حدّ زعمهم ـ قد أحاطت بهم الأوهام ، وحاقت بهم الأغلاط في العلوم والمسائل الفلسفية ، وما زال الجدل قائماً بينهم على قدم وساق ، فالمتأخر يناقش براهين المتقدّم ويبطلها ، وهذا يسوق الإشكالات على مقالات ذاك ويفنّدها. ولو تدبّر الإنسان الحرُّ في الوضع السائد بينهم ، لوقف على أنّ ما يسمّيه القوم علوماً وأدلّة ، ليس سوى خيالات وتسويلات.
وعلى ضوء ذلك ، كيف يطمئن الإنسان إلى ما يقف عليه من طريق العقل؟
والجواب
أوّلاً : إنّ الإنسان الواقعي لا ينكر اختلاف الفلاسفة والمفكرين في درك الحقائق ، ولم يدّع أحدٌ أنّه مصون عن الخطأ والاشتباه. غير أنّه يقول إنّ هناك معارف وحقائق لا يختلف فيها اثنان ، هي المعارف البديهية والقضايا الضرورية الّتي اصفق على صحّتها وصدقها عامّة البشر.
وهذه العلوم الضرورية تستوعب قسطاً وافراً من معارف البشر ، فقد