أريد معرفة الوضع السائد عليه ، فليس ذلك رهن التعرف على أُمور غير متناهية.
ولترى صدق ذلك ، أُفرض أنّك أمام منضدتك ، وفوقها كتبك وأدوات التحرير ، وتريد أن تتعرف على المنضدة هل هي من الخشب أو الحديد ، هل هي مستطيلة أو مربعة ، ونحو ذلك. فهل ترى أنّ هذه المعرفة رهن التعرف على ما سبق عليها من الأحوال؟ كلا ، ولا.
وثالثاً : لو صحّ ما ذكره ، فإنّما يصحّ في معرفة الموجودات الجزئية ، وأمّا المفاهيم الكليّة والقوانين العامة السائدة في الطبيعة ، فليست معرفتها كما ذكر.
مثلاً : معرفتنا بأنّ الإنسان حيوان ناطق ، معرفة كليّة لا تتوقف على شيء. وهكذا في القوانين الرياضية والطبيعية ، فإنّ معرفتنا بأنّ مجموع زوايا المثلث يساوي زاويتين قائمتين ، وأنّ مربع الثلاثة تسعة ، وجذر التسعة ثلاثة ، وأنّ السرعة كلما ازدادت حول المركز ازداد الطَّرد عنه ، وكلّما خفَّت قَلّ الطّرد ، إلى غير ذلك من القوانين السائدة ، إنّ معرفتها لا تتوقف على ما لا نهاية له ، بل لها مقدمات خاصة معينة لا أكثر.
الشبهة الخامسة : البرهنة على إثبات شيء محال
ما ذكر من الشبهات السابقة كان متوجهاً إلى إثبات الخطأ في الإدراكات التصورية ، والشكّاك يريد في هذه الشبهة الرابعة التشكيك في الإدراكات التصورية. يقول :
إنّ الإدراكات الإنسانية تنقسم إلى تصورية وتصديقية ، فإنّ الإدراك إن كان مجرداً عن الحكم والقضاء كتصور الكتاب وحده ، فهو إدراك تصوّري. وإن كان مقروناً بالقضاء والحكم ، فهو إدراك تصديقي ، كما إذا حكمنا على الكتاب بأنّه كتاب نفيس ومفيد.
وعلى ضوء ذلك فالشكاك يقول : إنّ القضايا المقبولة عبارة عن القضايا الّتي تَثْبُتُ صحتُها بالبرهان ، غير أنّ إثبات قضية بالبرهان ، أمرٌ ممتنع. وما يُتراءى من إقامة البراهين على القضايا لا يخرج عن إطار المغالطة ، وذلك لأنّ مقدمات البرهان