إمّا أن تَثْبُتَ ببرهان آخر أو لا. وعلى الأول يلزم احتياج ذلك البرهان إلى برهان آخر ، وهكذا إلى غير النهاية. وعلى الثاني يلزم أن تكون مقدمة البرهان غير برهانية ، فلا تكون القضية بالنتيجة مبرهَنَة.
وما ربما يقال من أنّ مقدمات البرهان ربما تكون غنية عن إقامة البرهان عليها ، فهو ادّعاء محض ، لا يقبل إلّا أن يثبت (١).
الجواب :
أولاً : إنّ هذا الاستدلال من الشكّاك ، جدُّ عجيب ، لأنّه يتمسك بالبرهان العقلي ليُبطل الاستدلال العقلي ، فكأنّه يبطل بالعقل نفس العقل ، وذلك :
لأنّ أساس برهانه في الشق الأول يعتمد على بطلان التسلسل.
وأساس برهانه في الشق الثاني هو أنّ المجهول لا يمكن أن يحلّ مجهولاً آخر.
كما أنّ أساس برهانه في الشق الثالث يبتني على أصل فطري وهو أنّ المدّعى لا يُقبل بلا دليل.
فهذا الاستدلال العقلي من الشكّاك المبني على أُصول عقلية وفطرية يعرب عن أنّه في صميم ذاته واقعيٌّ لا سوفسطائي ، وأنّه يحترم الأُصول الثابتة عند عامة العقلاء.
وثانياً : إنّ القياس الّذي استدلّ به عقيم غير منتج ، وذلك لأنّا نختار الشق الثاني وهو أنّ مقدمات البرهان غنية عن البرهان ، ولكنه لا يترتب عليه ما تصور من امتناع حلّ مجهول بمجهول آخر. وذلك لأنّ مقدمات البرهان يمكن أن تكون أُموراً حسيّة يدركها الإنسان بحسِّه أو بالتجربة ، أو عقلية بديهية لا يحتاج في التصديق بها إلى شيء. ولو أُقيم عليها البرهان ، لا يزداد الإنسان يقيناً.
وبإيجاز : إنّ البرهان يتركّب من مقدمات ، وهي إما بديهية بالذات أو
__________________
(١) الفلسفة العامة (euqisyhpateM (، پول فولكييه ، ص ٦٢ ـ ٦٣ وهو الجزء الثالث من كتابه : eihposolihp ed eriatnemed etiarT.