٥ ـ الفلاسفة الإسلاميون
قد تعرفت على بعض الشخصيات من أنصار منهج اليقين ، وكانت آراؤهم هي السائدة حتّى بزغ فجر الإسلام وظهرت طلائع الحضارة الإسلامية ، وعمّ نور الإسلام مشارق الأرض ومغاربها ، فنشطت المعارف والأبحاث الفلسفية بنقل ما وقف عليه المفكرون المسلمون من كتب فلسفية وطبيعية ، إلى اللغة العربية. ولم يكتفوا بمجرّد النقل والترجمة ، بل تحمّلوا عبئاً كبيراً في تكميل وتهذيب ما وصل إليهم من تراث اليونان ، وكانت نتيجة هذه الجهود أن حدثت حضارة من أرقى الحضارات الّتي عرفها التاريخ ، وبلغت الأُمّة الإسلامية في مدّة وجيزة شأواً عظيماً في مجالات العلوم والفلسفة ، حتّى غَدَتِ العواصم الإسلامية معاهدَ للعلوم ومراكز للفلسفة ، يقصدها الشرقي والغربي ، ويطوف عليها رواد الفضيلة.
وسلك جُلُّ الفلاسفة المسلمين منهج اليقين بين مشائيّ يعتمد على البرهان والحسّ معاً ، وإشراقيّ يعتمد على تهذيب النفس وإعدادها لتلقي الحقائق من عالم الغيب. والكلّ من أنصار اليقين وإنْ كانت دروبهم إلى المعرفة اليقينية مختلفة. وقد كانت الغلبة للمشائين ، فروّجوا العقل والحسّ وأعطوا كل واحد منهما حقّه.
التطور النهائي في باب المعرفة
ظهر هذا التطور في العصور الإسلامية الأخيرة ، أي بعد القرن العاشر الإسلامي ، فأدهش العقول ، وحيّر أصحاب الفكر ، أحدثه رجل العلم والفضيلة ، سيد نوابغ العالم وأُسوة الحكماء والمتكلمين ، محمد بن إبراهيم الشيرازي المشتهر بصدر الدين ، وصدر المتألهين (١). فقد أسس أساساً حديثاً ، ورسم قواعد لم يسبق إليها أحد ، وأتى بأفكار أبكار لم يقف على مغزاها إلّا ثلّة قليلة من بغاة العلم والفلسفة ، فهو المبتكر الوحيد في إبداع أُصول لم تُعهد ،
__________________
ـ وما أشبه حالهما بحال عَلَمَيْ النهضة في الفلسفة الغربية : رينيه ديكارت وجان لوك ، فالأول منهما يعتمد على العقل والثاني على الحسّ. وسيوافيك بيان منهجهما في محله.
(١) ولد عام ٩٧٩ ه ، وتوفي عام ١٠٥٠ ه.