وتفريع فروع لم تسمع ، وإحداث طريق للبحث والتحليل لم يشاهد.
وفي ظل هذه الجهود المتمادية من فلاسفة الإسلام ، بلغت الفلسفة الموروثة من مائتي مسألة إلى سبعمائة مسألة فلسفية عقلية فكرية (١) ، مضافاً إلى التحوّل الّذي أوجدوه في العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية.
الفلسفة الإسلامية والواقعية الموضوعية
إنّ من الظلم الفاحش رمي أُمّة كبيرة تحتل هذه المكانة السامية في الحضارة الإنسانية ـ رميها ـ بالمثالية والسفسطة. وليس شيء أدلّ من نتاجهم العلمي الموجود بأيدي الجميع ، على بطلان هذا الافتراء.
وهذا كتاب المسلمين يوقظ شعورهم ، ويدعوهم إلى الاعتماد على السمع والبصر ، وفي الوقت نفسه إلى التعقل والتفكر ، يقول :
(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢).
فذِكْر السمع والأبصار كنموذج ، يعرّفنا موقف أدوات الحسّ. كما أنّ ذكر الأفئدة يُعرب عن مقام الفؤاد وهو العقل ، في مجال المعرفة.
ويُستنتج من هذه الآية أنّ الإنسان يأتي إلى الدنيا خالي الذهن من كلّ علم ومعرفة حتّى المعارف البديهية والأوليّة ، وإنّما يكتسب ما يكتسبه بعد اتّصاله بالخارج عبر أدوات المعرفة. ولو فرضنا انعدام تلك الأدوات ، لما حصلت للإنسان أية معرفة متعلقة بما سوى ذاته.
وقد يتوهم ممّا ذكرنا أنّ الآية تنفي المعلومات الفطرية المودعة في ذات الإنسان ، ولكنه توهّم باطل ، لأنّ الآية الكريمة ترمي إلى نفي كل معرفة فعلية للإنسان حين ولادته ومجيئه إلى الدنيا ، وهذا لا ينافي وجود معلومات فطرية مختمرة
__________________
(١) مقالة العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي بمناسبة مرور أربعمائة سنة على ميلاد صدر المتألهين.
(٢) النحل : ٧٨.