«أنا أفكر إذن أنا موجود».
ثمّ صار وجود التفكر نواة لقضية يقينية أُخرى وهي أنّه موجود ، لأنّه بدا له أنّ التفكير يحتاج إلى مفكّر ولا ينفك عنه ، فقال : «أنا أفكر ، لكن ما هو الشيء الّذي يفكر ، إنّه شيء يَشُكُّ ، ويفهمُ ، ويتصوَّرُ ، ويقرِّرُ ، وينفي ، ويريد أو لا يريدُ ، ويَحُسُّ» ، ثمّ استنتج من ذلك أنّه ليس إلّا ذاته ونفسه وطبيعته.
وكانت النتيجة أن قرر ديكارت مقالته المشهورة : «أنا أفكر ، إذن أنا موجود» (١).
الله موجود
ثمّ بدأ ديكارت بالاستدلال على قضية يقينية أُخرى ، وهي أنّ الله موجود ، وقرّر الاستدلال كما يلي : لا يمكن أن أكون أنا مصدر هذه الفكرة ـ أي فكرة الله ـ فهذه الفكرة تُصوِّر لي جوهراً لا متناهياً ، سرمدياً ، ثابتاً ، مستقلاً. فحقيقة هذا الجوهر تتجاوز إذن ماهيتي وحقيقتي ، فكيف يمكن أن أكون مصدراً لها. فإذن فكرة الله على هذا النحو لا يمكن أن يكون مصدرها كائناً آخر غير الله نفسه.
وبعبارة أُخرى : إذا فكرت في الله ، وجدت فيه من المزايا العظيمة الفائقة الّتي كلما تأمّلت فيها بعناية أكثر اعتبرت نفسي أقلّ قدرة على إنتاج هذه الفكرة نفسي بنفسي. فإنّ كوني جوهراً لا يجعلني أنتج فكرة جوهر لا متناه ، لأنّي أنا كائن متناه ، لو لم تكن هذه الفكرة (فكرة جوهر لا متناه) قد أودعها في نفسي جوهر لا متناه حقّاً.
ف «ديكارت» إذن مقتنع ومتأكد من أنّ فكرة وجود «موجود لا متناه ومطلق الكمال» هي فكرة صحيحة ومتميزة.
الأفكار الفطرية
ثمّ يستدل ديكارت بعد ذلك على أنّ كل فكرة تنتهي إلى الله فهي فكرة
__________________
(١) لاحظ المصدر السابق : ٤٩٥.