صادقة ، بأنّها صادرة عن الله ، فلو لم تكن صادقة لكان تزويد الله الإنسان بها خدعة وكذباً ، وهو مستحيل على الكامل المطلق.
وبذلك يستنتج أنّ كلَّ فكرة فطرية في الطبيعة الإنسانية ، فهي فكرة صادقة ملقاة من جانب «الله». وبذلك آمن بالمعرفة الفكرية ، وأنّها معرفة صحيحة صادقة ، وليس لها مصدر سوى الله.
والفطريات عند «ديكارت» ، تختلف عنها في لسان القرآن الكريم والأحاديث الإسلامية ، فإنّ الفطرة في الأخيرين هي الميل الذاتي إلى الشيء ، من صميم الذات ، بلا حافز خارجي ، بل كأنّ هناك نداءً من صميم النفس يدعو الإنسان إليه ، كالميل إلى العدالة والعفّة والزواج والجاه وغير ذلك. فكلها فطريات في منطق القرآن والأحاديث ، ويعبّر عنها بالغرائز تارة ، والفطريات أُخرى ، وليست هي من قبيل الأفكار ، بل ميول طبيعة يجدها الإنسان في ذاته.
وأمّا الفطريات في مصطلح «ديكارت» ، فهي من مقولة الفكر والإحساس العقلي. وهي عبارة عن الأفكار الطبيعية الّتي يجدها في نفسه ، وتبدو في غاية الوضوح والجلاء ، كفكرة «الله» و «الحركة» و «الامتداد» و «النفس» ، وكأنّها لوازم للعقل الإنساني ، من دون أن يكون العقل مصدراً لها بل هو حامل لها ، وإنّما مصدرها شيء غير ذاته وعقله.
طوائف الأفكار الإنسانية الثلاث
ثمّ إنّه في ضوء ذلك رتب الأفكار الإنسانية في طوائف ثلاث :
١. الأفكار الفطرية : وهي عبارة عن التصورات الّتي يدركها العقل بالبداهة ، وليس للخطأ إليها سبيل. كالحركة والامتداد والشكل من الأُمور المادية ، والجهل واليقين والشكّ من الأُمور العقليّة المحضة ، والوحدة من الأُمور المشتركة بين الأُمور الماديّة والعقلية ، وكذلك فكرة الله والأفكار الرياضية الأساسية (الأعداد). ولذلك يقول ديكارت إنّ كل إنسان يحكم بأنّه موجود ، كما يدرك بأنّ المثلث له ثلاث زوايا ، وأنّ الكُرَةَ ليس لها أزْيَد من سطح واحد ، وأنّ المساويين لشيء متساويين.