ولا تنحصر الفطريات فيما مثّلنا بل هي تعمّ كل شيء لا يقع في إطار التجربة ، كتصور الكمال والضرورة والكلية ، فإنّها كلَّها يجدها العقل في ذاته وحدها ، من دون أن يستمدها من الخبرة (التجربة).
وأوضح تعريف للفطريات ما ذكره ديكارت نفسه في بعض رسائله (١) ، قال : «الأُمور الفطرية عبارة عن المعلومات البدائية الأصيلة الّتي نتوصل بها إلى سائر المعارف ، وهي قليلة جداً». ثمّ ذكر أنّ الوجود ، والعدد ، والزمان ، وامتداد الجسم ، وتفكير النفس ، والوحدة ، هي من الأُمور الفطرية (٢). وربما يسمّيها بالصفات الأولية.
٢. المحسوسات أو الصفات الثانوية : وهي أفكار طارئة تعبّر عن انفعالات خاصة للنفس بالمؤثرات الخارجية ، كفكرة الصوت والرائحة ، والضوء ، والطعم ، والحرارة ، واللون.
فالفطريات كيفيات أوليّة حقيقية ، وهذه الحسيّات كيفيات ثانوية لا تعبّر عن حقائق موضوعية ، وإنّما تتمثل في انفعالات ذاتية. فهي صور ذهنية تتعاقب وتثور في دنيا الذهن بتأثير الأجسام الخارجية.
ويبدو أنّ ديكارت يسمّي الفطريات كلّها أو بعضها بالصفات الأوليّة ، في مقابل المحسوسات الّتي يسمّيها بالصفات الثانوية. فهو يعتقد أنّا لا نستطيع أن نحصل إلّا على قدر ضئيل من اليقين بهذه الصفات الثانوية. فأفكارنا عن هذه الصفات مشوشة وغامضة.
وبعبارة أُخرى : إنّ ديكارت يقسم صفات الجسم إلى قسمين : صفات أولية ، كالشكل والامتداد والحركة ، وهذه لا ينالها الإنسان عن طريق التجربة ، ولها واقعية. وصفات ثانوية ، وهي الصور الذهنية الّتي ينالها الإنسان غبّ اتّصاله بالخارج ، كاللون والطعم والرائحة. وهو لا يقيم لهذه المعرفة اعتباراً علمياً ، بل يقول بأنّ قيمتها في مقام العمل ، بمعنى أنّ الإنسان يستفيد منها في حياته.
__________________
(١) المؤرخة بتاريخ ٢١ أيار ١٦٤٣ م.
(٢) الفلسفة العامّة ، پول فولكيه : ٢٠٣.