مرتين ، تارة بالضمير المنفصل «أنا» ، وأُخرى بالضمير المستتر في «أفكر». فلو لم يكن وجوده مسلماً لديه ـ من حيث لا يشعر ـ لما صحّ منه هذا التعبير. فهو يعترف بوجوده ، ثمّ يعود ليستدلّ على وجوده!! وما أشبه هذا بمن يطلب شيئاً يملكه.
٣ ـ الاستدلال بصورة الشكل الأول
صبّ «ديكارت» استدلاله على ما زعم أنّه الحجر الأساس للمعرفة اليقينية ، في قالب الشكل الأول من الأشكال المنطقية الأربعة ، الّذي هو أكثر الأشكال استعمالاً في إقامة البراهين. وذلك أنّ قوله : «أنا أُفكر» ، صغرى ؛ وهناك كبرى مطوية هي : «وكل من يفكر فهو موجود» ؛ فخرج بالنتيجة : «فأنا موجود».
وصحّة هذا الاستدلال مبنية على إذعانه بصحة الشكل الأول وصدق نتيجته ، فقد كان هذا معرفة أولية مخزونة في ذهنه ، فاستمد منها ليستنتج أنّه موجود.
وقد نقل عن ديكارت أنّه حاول الإجابة عن ذلك بأنّه لم ينتقل إلى هذا الاستدلال من تنظيم قضية بعد أُخرى ، والكبرى بعد الصغرى ، «وإنّما جرّني إلى ذلك المتصورات الساذجة والبسيطة الّتي كنت أحسّها بالوجدان ، وكانت عندي من البديهيات».
ولكنه أشبه بالفرار من المطر إلى تحت الميزاب ، لأنّه إذا لم ينتقل إلى ما زعمه نقطة أُولى من المعرفة ، إلّا عن طريق المتصورات والبديهيات الأولية فقد اعترف أنّه كانت لديه معلومات بديهية أو وجدانيات كان يجدها في صميم ذاته.
٤ ـ «كلُّ ظاهرة تحتاج إلى علة موجِدة» ، معرفةٌ سابقة
عرفت أنّ «ديكارت» ، بعد ما أذعن بوجود نفسه عن طريق تفكّره ، أخذ في الاستدلال على وجود الإله ـ الّذي جعل الاعتراف به معرفةً ثانوية ـ بأنّه لا بدّ لفكرة الإله الّتي يجدها في ذهنه ، من مصدر وعلّة.