القاعدة الثامنة
في إثبات العلم بأحكام الصفات العلى
قد شرع المتكلمون في إثبات العلم بأحكام الصفات قبل الشروع في إثبات العلم بالصفات لأن الأحكام إلى الأذهان أسبق والمخالفون من المعتزلة في إثبات الصفات يوافقون في أحكام الصفات.
وسلكوا طريقين أحدهما النظر والاستدلال والثاني الضرورة والبديهة ، ثم منهم من يرى الابتداء بإثبات كونه قادرا أولى ومنهم من يثبت كونه عالما أولا ثم يثبت كونه قادرا مريدا ومنهم من يبتدئ بالإرادة ثم يثبت كونه قادرا عالما (١).
قال أصحاب النظر في إثبات كونه قادرا أولا : إن الدليل قد قام على أن الصنع الجائز ثبوته والجائز عدمه إذا وجد احتاج إلى صانع يرجح جانب الوجود فيجب أن يكون الصانع قادرا لأن من الأحياء من يتعذر عليه الفعل ومنهم من يتيسر فسبرنا جملة صفات الحي روما للعثور على المعنى الذي لأجله ارتفع التعذر وتحقق التأتي والتيسر فلم نجد صفة إلا القدرة أو كونه قادرا ، فكان الذي صحّح الفعل من الحي كونه قادرا هو علة لصحة الفعل والعلة لا تختلف حكمها شاهدا وغائبا وكذلك صادفنا إحكاما وإتقانا في الأفعال وسبرنا ما لأجله يصح الإحكام والإتقان من الفاعل فلم نجد إلا كونه عالما وكذلك رأينا الاختصاص ببعض الجائزات دون البعض مع تساوي الكل في الجواز وسبرنا ما لأجله يصح الاختصاص ، فلم نجد إلا كونه مريدا ثم لم يتصور وجود هذه الصفات إلا وأن يكون الموصوف بها حيا لأن الجماد لا يتصور منه أن يكون قادرا أو عالما فقلنا القادر حي وأيضا فإنا لو لم نصفه بهذه الصفات لزمنا وصفه بأضدادها من العجز والجهل والموت وتلك نقائص مانعة من صحة الفعل المحكم ويتعالى الصانع عن كل نقص.
ولخصومهم من المعطلة على هذه الطريقة أسئلة منها ما هو على الأشعرية
__________________
(١) انظر : غاية المرام في علم الكلام للآمدي (ص ٤٤) ، والإبانة للأشعري (ص ١٥٢) ، والتعرف للكلاباذي (ص ٣٦) ، والعقيدة الأصفهانية (١ / ١٠٠ ، ١٦٨) ، وبيان تلبيس الجهمية (٢ / ٢٣٥) ، والغنية في أصول الدين لأبي سعيد النيسابوري (ص ٩٥) ، والتبصير في أصول الدين للأسفراييني (ص ١٦٤).