يلزم منه وجود الاثنين ضرورة بل يمكن أن يتصور شيئان : أحدهما وجوده بذاته ، والثاني وجوده مستفاد من غيره ثم بعده ، ذلك يقع البحث في أنه يستفيد وجوده منه اختيارا أو طبعا أو ذاتا ، هذا معقول بالضرورة ثم يجب أن يفرض تقدم وجود المفيد على وجود المستفيد من حيث الوجود فقط من غير أن يخطر بالبال كون المفيد علة لذاته أو موجد له بصفة ثم يقع بعد ذلك التفات إلى أن الوجود المستفيد وجود واجب به لأنه علته أو لا يجب به ، وذلك لأن الوجوب بالغير لازم به فإنه يحسن أن يقال هذا قد وجد عنه ، فوجب به ولا يجوز أن يقال : وجب به فوجد عنه ولكل معنى من معاني التقدم والتأخر معية في مرتبته لا يجامع التقدم والتأخر في تلك المرتبة ، ويجامع في مرتبة أخرى مثاله تقدم السبب على المسبب ذاتا ووجودا أو مقارنته معا وزمانا أو مكانا ، ولكن لا يجوز أن تطلق معية ما على الباري تعالى والعالم فإذا ثبت هذا قلنا أما التقدم والتأخر الزماني فيجب نفيهما عن الباري تعالى وكما لا يجوز أن يتقدم على العالم زمانا لم يجز أن يكون مع العالم زمانا فإنّا كما نفينا التقدم الزماني نفينا المعية الزمانية ومثار الشبهة ومجال الخيال هاهنا فإن فازت سفينة النظر عن هذه الغمرة فاز أهل الحق بقصب السبق في المسألة ، فإن ما لا يقبل الزمان ولم يكن وجوده زمانيا لم يجز عليه التقدم والتأخر والمعية الزمانية كما أن ما لا يقبل المكان ولم يكن وجوده وجودا مكانيا لم يجز عليه التقدم والتأخر والمعية المكانية فقول الخصم إن العالم معه دائم الوجود إيهام بالزمان فيقال : يجوز أن يكون موجودان أحدهما متقدم بالذات والآخر متأخر بالذات ويكونان معا في الزمان فإن التقدم بالذات لا ينافي المعية في الزمان كتقدم السبب على المسبب وحركة اليد على حركة المفتاح في الكم لكن إذا كان وجودهما زمانين فأما وجود لا يقبل الزمان أصلا كيف يطلق عليه معية بالزمان وذلك كالتقدم بالمكان والمعية به ، فإن السبب والمسبب قد يكونان معا في المكان ويسبق أحدهما الآخر بالذات ، لكن إذا كان وجودهما مكانين فإما وجود لا يقبل المكان أصلا فكيف يطلق عليه معية بالمكان ونحن لا ننكر أن الوهم يرتمي إلى مدة مقدرة قبل العالم كما يرتمي إلى فضاء مقدر فوق العالم وذلك وهم مجرد وخيال محض فلا قضاء ولا بينونة كما يقدره الكرامي (١) ولا زمان ولا مدة كما يقدره الوهمي (٢) ولو قدر تقديرا عالم آخر فوق هذا العالم لم يؤد ذلك إلى تجويز عوالم هي
__________________
(١) نسبة إلى الكرامية.
(٢) نسبة إلى الطائفة الوهمية.