القاعدة العاشرة
في العلم الأزلي خاصة (١)
وإنه أزلي واحد متعلق بجميع المعلومات على التفصيل كلياتها وجزئياتها وذهب جهم بن صفوان وهشام بن الحكم إلى إثبات علوم حادثة للرب تعالى بعدد المعلومات التي تجددت وكلها لا في محل بعد الاتفاق على أنه عالم لم يزل بما سيكون والعلم بما سيكون غير والعلم بالكائن غير.
وذهبت قدماء الفلاسفة إلى أنه عالم بذاته فقط ، ثم من ضرورة علمه بذاته يلزم منه الموجودات وهي غير معلومة عنده أي لا صورة لها عنده على التفصيل والإجمال.
وذهب قوم منهم إلى أنه يعلم الكليات دون الجزئيات ، وذهب قوم إلى أنه يعلم الكلي والجزئي جميعا على وجه لا يتطرق إلى علمه تعالى نقص وقصور.
أما الرد على الجهمية هو أنا نقول : لو أحدث الباري لنفسه علما فإما أن يحدثه في ذاته أو في محل أو لا في ذاته ولا في محل والحدوث في ذاته يوجب التغيير والحدوث في محل يوجب وصف المحل به والحدوث لا في محل يوجب نفي الاختصاص بالباري تعالى وبمثل هذا نرد على المعتزلة في إثبات إرادات لا في محل.
وبرهان آخر نقول لو قدر معنى من المعاني لا في محل كان قائما بذاته غير محتاج إلى محل يقوم به ففي احتياج العلم إلى محل إما أن يكون معنى يرجع إلى ذات كونه علما فيجب أن يكون كل علم غير محتاج إلى محل وإما أن يكون لأمر زائد على ذات كونه علما فيجب أن يكون فعلا لفاعل فوجب أن يكون فعل الفاعل يوجب نفي الاحتياج في كل عرض وكل معنى وليس الأمر كذلك ثم فعل الفاعل لا يوجب أن ينتسب إليه المفعول بأخص وصفه الذاتي بل إنما ينتسب إليه من حيث كونه فعلا فقط حتى يسمى فاعلا صانعا أما أن يضاف إليه حكم العلمية حتى يصير عالما فمحال وأيضا فإن فعل الفاعل لا يخرج الشيء عن حقيقته فلا يجوز أن يقلب الجوهر عرضا والعرض جوهرا فإن القدرة إنما تتعلق بما يمكن وجوده وهذا من المستحيل فنفي الاحتياج إلى محل في حق الجوهر لا يجوز أن يثبت بالقدرة كما أن إثبات الاحتياج إلى
__________________
(١) انظر : المقصد الأسنى للغزالي (ص ١٢٠) ، والبرهان المؤيد للرفاعي (ص ١٨٠).