في أطوار الخلقة وأكوار الفطرة ، ولسنا نشك في أنه ما غير ذاته ولا بدل صفاته ولا الأبوان ولا الطبيعة فيتعين احتياجه إلى صانع أول قديم قادر عليم قال وما ثبت من الأحكام لشخص واحد أو لجسم واحد ثبت في الكل في الجسمية وهذه الطريقة تجمع الإثبات والإبطال واعتمد إمام الحرمين رضي الله عنه طريقة أخرى فقال الأرض عند خصومنا محفوفة بالماء والماء بالهواء والهواء بالنار والنار بالأفلاك وهي أجرام متحيزة شاغلة جوا وحيزا وبالاضطرار نعلم أن فرض هذه الأجسام متيامنة عن مقرها أو متياسرة أو أكبر مما وجدت شكلا وعظما أو أصغر من ذلك ليس من المستحيلات وكل مختص بوجه من وجوه الجواز دون سائر الوجوه مع استواء الجائزات وتماثل الممكنات احتاج إلى مخصص بضرورة العقل ، وستعلم فيما بعد أن العالم ممكن الوجود باعتبار ذاته سواء قدر كونه متناهيا في ذاته مكانا أو زمانا أو غير متناه فإن الخصم يقضي عليه بالإمكان على أنه في ذاته غير متناهي الزمان وهو متناهي المكان ، فالأولى أن يجعل للتناهي المكاني مسألة ويجعل للتناهي الزماني من حيث الحركات والمتحركات مسألة أخرى ، ونأخذ احتياجه إلى المخصص كالمسلم أو كالضروري أو كالقريب من الضروري.
فإن قيل فما الدليل على تطرق وجوه الجائزات إلى العالم بأسره.
قلنا : العقل الصريح يقضي بالإمكان في كل واحد من أجزاء العالم والمجموع إذا كان مركبا من الأجزاء كان الإمكان واجبا له ضرورة.
فإن قيل : فما الدليل على أن الأجسام متناهية من حيث الذات.
قلنا : لو قدرنا جسما لا يتناهى أو بعدا لا يتناهى ، فإما أن يكون ذلك الجسم غير متناه من جميع الجهات أو من جهة واحدة وعلى أي وجه قدر فيمكن أن يفرض فيه نقطة متناهية يتصل بها خط لا يتناهى ويمكن أن تفرض نقطة أخرى على خط هو أنقص من الأول بذراع ، ونصل بين النقطتين بحيث يطبق الخط الأصغر على الخط الأطول فإن كان كل واحد من الخطين تمادى إلى غير نهاية فيكون الخط الأصغر مساويا للخط الأطول وهو محال ، وإن قصر الأقصر عن الأطول بمتناه فقد تناهى الأقصر وتناهى الأطول إذ قصر عنه الأقصر بمتناه ، وزاد الأطول عليه بمتناه وما زاد على الشيء بمتناه كان متناهيا وعلى كل حال فإن كل أحدهما أكبر من الثاني كان فيما لا يتناهى ما هو أصغر وأكبر وأكثر وأقل ، وذلك محال فعلم أن جسما لا يتناهى محال وجوده وأن بعدا لا يتناهى في خلاء أو ملأ محال ، ويمكن أن ينقل هذا البرهان بعينه إلى أعداد وأشخاص لا تتناهى حتى يتبين أن فرض ذلك محال ، فإذا قضينا على الجسم