القاعدة الحادية عشرة
في الإرادة
وهي تتشعب إلى ثلاث مسائل أحدها : في كون الباري تعالى مريدا على الحقيقة ، الثانية : في أن إرادته قديمة لا حادثة ، والثالثة : أن الإرادة الأزلية متعلقة بجميع الكائنات(١).
أما الأولى : فالكلام فيها مع النظّام والكعبي والجاحظ والنجار ، فذهب النظام والكعبي إلى أن الباري تعالى غير موصوف بها على الحقيقة وإن ورد الشرع بذلك فالمراد بكونه تعالى مريدا لأفعاله فإنه خالقها ومنشئها ، وإن وصف بكونه مريدا لأفعال العباد فالمراد بذلك أنه أمر بها وإن وصف بكونه مريدا في الأزل ، فالمراد بذلك أنه عالم فقط.
وذهب النجار إلى أن معنى كونه مريدا أنه غير مغلوب ولا مستكره.
وذهب الجاحظ : إلى إنكار أصل الإرادة شاهدا وغائبا ، وقال : مهما انتفى السهو عن الفاعل وكان عالما بما يفعله فهو مريد وإذا مالت نفسه إلى فعل الغير سمي ذلك الميلان إرادة ، وإلا فليس هي جنسا من الأعراض وهو الأولى بالابتداء وهو الأهم بالرد عليه.
فيقال له : إثبات المعاني والأعراض ، ثم التمييز بين حقيقة كل واحد منها إنما يبتنى على إحساس الإنسان نفسه ، وكما يحس الإنسان من نفسه علمه بالشيء وقدرته عليه يحس من نفسه قصده إليه وعزمه عليه ثم قد يفعله على موجب إرادته وقد لا يفعله على موجب إرادته وربما يريد فعل الغير من غير ميل النفس والتوقان إليه وكذلك يريد فعل نفسه من غير ميل وشهوة كمن يريد شرب الدواء على كراهية من نفسه ، وبالجملة الإحساس حاصل ورده إلى العلم بالفعل باطل فإن العلم تبين وإحاطة فقط وهو يطابق المعلوم على ما به من غير تأثير في المعلوم ولا تأثير منه وكذلك يتعلق بالقديم والحادث والقصد والإرادة يقتضي ويخصص فيؤثر ويتأثر ولذلك لا
__________________
(١) انظر : شرح قصيدة ابن قيم لإبراهيم بن عيسى (١ / ٧٣) ، ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية (١ / ٢٩٧ ، ٣٨٠).