يتعلق إلا بالمتجدد والحادث فبطل مذهب الجاحظ.
وأما الرد على الكعبي والنظام بعد اعترافهما بكون الإرادة جنسا من الأعراض فالشاهد أن نقول : قام الدليل على أن الاختصاص ببعض الجائزات دون البعض في أفعال العباد دليل على الإرادة والقصد والدليل يطرد شاهدا وغائبا فإن الإحكام والإتقان لما دل على علم الفاعل شاهدا دل عليه غائبا والدليل العقلي لا ينتقض ولا يقتصر.
قال الكعبي : إنما دل الاختصاص على الإرادة في الشاهد لأن الفاعل لا يحيط علما بكل الوجوه في الفعل ولا بالمغيب عنه ولا بالوقت والمقدار فاحتاج إلى قصد وعزم إلى تخصيص وقت دون وقت ومقدار دون مقدار والباري تعالى عالم بالغيوب مطلع على سرائرها وأحكامها فكان علمه بها مع القدرة عليها كافيا عن الإرادة والقصد إلى التخصيص وإنه لما علم أنه يختص كل حادث بوقت وشكل وقدرة فلا يكون إلا ما علم فأي حاجة به إلى القصد والإرادة ، وأيضا فإن الإرادة لو تحققت فإما أن تكون سابقة على الفعل أو حادثة مع الفعل فإن كانت سابقة فهي عزيمة والعزم لا يتصور إلا في حق من يتردد في شيء ثم أزمع عليه أو انتهى عن شيء ثم أقبل إليه وإن كانت مقارنة فهي إما أن تحدث في ذاته أو في محل أولا في ذاته ولا في محل والأقسام الثلاثة باطلة بما سبق بطلانه فتعين أن الإرادة للقديم سبحانه لا معنى لها إلا كونه عالما قادرا فاعلا.
قيل له : قد سلمت في الأفعال وجوها من الجواز في تخصيصها ببعض الجائزات دون البعض فينظر بعد ذلك أهو من دلائل العلم ، أو من دلائل الإرادة.
فنقول : قد بينا بأن العلم يتبع المعلوم على ما هو به. سواء كان العلم محيطا بجميع الوجوه في الفعل وقتا ومقدارا وشكلا أو لم يكن فالعلم من حيث هو علم لا يختلف وإن قدر اختلاف في العلم حتى يكون أحد العلمين مخصصا دون الثاني فلنقدر مثل ذلك فيه حتى يكون أحدهما موجدا والثاني غير موجد ويقع الاجتزاء بالعلم عن القدرة كما وقع به عن الإرادة فيعود الكلام إلى مذهب الفلاسفة أن علمه تعالى علم فعلي فيوجد من حيث يعلم ويختار الأفضل من حيث يعلم وإن وجب أن تعطى كل صفة حظها من الحقيقة فالعلم ما يحصل به الإحكام والإتقان أما الإرادة ما يحصل بها التخصيص والقدرة ما يحصل بها الإيجاد والقضايا مختلفة فالمقتضيات إذا غير متحدة.
وأما قوله : إثبات الإرادة في الشاهد لامتناع الإحاطة بالمراد من كل وجه فباطل لأنا لو فرضنا الإحاطة بالفعل من كل وجه بإخبار صادق أو غيره من الطرق كان يجب أن يستغني عن الإرادة وليس الأمر كذلك وتقسيمه القول بأن الإرادة إما سابقة