وإما مقارنة.
قيل له : قد عرفت على هذا مذهب الصفاتية أن الإرادة أزلية فهي سابقة على المراد ذاتا ووجودا ومقارنة لحال التجدد تعلقا وتخصيصا ، والعلم يتبع الواقع ولا يوقع والقدرة توقع المقدور ولا تخصص والإرادة تخصص الواقع على حسب ما علم بما علم والصفة أزلية سابقة والمراد حادث متأخر وليس يلزم على ذلك أن يسمى عزما فإن العزم توطين النفس بعد تردد ولو كان المريد للشيء متمنيا أو مشتهيا أو مائلا لوجب أن يقال العالم بالشيء معتقد ساكن النفس متروّ ، ومتفكر فبطل الاستدلال من هذا الوجه وليس كل من علم شيئا أراده ولا كل من أراد شيئا قدر عليه بل كل من فعل شيئا فقد قدر عليه ومن قدر على فعل شيء أراده ومن أراده علمه فالإرادة تتبع العلم حتى يتصور أن يكون عالما ولا يكون مريدا ولا يتصور أن يكون مريدا ولا يكون عالما.
أما الرد على النجار : حيث قال : إنه مريد بمعنى أنه غير مغلوب ولا مستكره فيقال له فسرت حكما ثابتا ينفي كمن يفسر كونه قادرا بأنه غير عاجز وكونه عالما بأنه غير جاهل وذلك مذهب المعطلة الفلاسفة ثم تجرد نفي العجز والكراهية لا يقتضي كون الذات مريدا فإن كثيرا من الأجسام ينفى عنها العجز والكراهية ولا يكون مريدا وكثير من المريدين كاره ، كمن شرب الدواء على كراهية من طبعه وهو مريد له فالكراهية تضاد الطوع وأما القصد فقد يجامع الكراهية.
ثم نقول : كونه غير مغلوب ولا مستكره أمر مجمع عليه وإنما الكلام في أنا رأينا في الأفعال ما يدل على كون الصانع مريدا وهو اختصاص الأفعال ببعض الجائزات دون البعض وإهمال هذه القضية غير ممكن فما مدلول هذا الدليل.
فإن قلتم : مدلوله أنه غير مغلوب ولا مستكره (١).
فيقال : إنما استفدنا العلم بذلك من كونه قادرا على الكمال والاختصاص لم يدل على القدرة بل الوقوع دل عليها فلم يكن للاختصاص مدلول ونحن إنما أثبتنا العلم بالصفات من الدلائل وإذا ثبتت هذه المسألة أخذنا في المسألة الثانية وهو كون الرب تعالى مريدا بإرادة قديمة.
فنقول : قد قام الدليل على أن معنى المريد هو ذو الإرادة كما قام الدليل على
__________________
(١) انظر : شفاء العليل لابن قيم (ص ١٧٦) ، والمواقف للإيجي (٣ / ١٢٣) ، وإيثار الحق على الخلق (ص ٢٥٥).