أن معنى العالم هو ذو العلم فنقول إما أن يكون الرب سبحانه مريدا لنفسه أو بإرادة وإذا تحقق أنه مريد بإرادة فإما أن تكون الإرادة قديمة وإما أن تكون حادثة فإن كانت حادثة فلا يخلو إما أن تكون حادثة في ذاته أو في محل أو لا في ذاته ولا في محل وقد سبق الرد على من قال بحدوث الإرادة في ذاته ويستحيل كون الإرادة في محل ويكون الرب تعالى مريدا بها فإن المعنى إذا قام بمحل وصف المحل به إذ لا معنى للقيام به إلا وصفه به وحينئذ لا يوصف غيره به إذ من المحال وصف الشيئين بمعنى واحد قام بأحدهما دون الثاني ويستحيل كون الإرادة لا في محل فإن الإرادة من جملة المعاني والأعراض واحتياج الأعراض إلى المحل صفة ذاتية لها ومن المحال ثبوتها دون الوصف الذاتي ولو لم تحل في محل لكانت قائمة بذاتها والقائم بالذات قابل للمعنى فحينئذ تكون الإرادة قابلة للمعنى فحينئذ تكون الإرادة قابلة للمعنى ولا يكون فرق بين الجوهر وبين حقيقة العرض حتى لو جوز استغناء العرض عن المحل في وقت من الأوقات جاز في كل وقت ولو جوز لجنس من الأجناس أو لنوع من الأنواع لجاز لكل نوع وجنس ولو جوز ذلك أيضا للزم تجويز قيام جوهر بمحل ، فإنه كما يستثنى الإرادة والغناء والتعظيم عن جنس من المعاني حتى لا يفتقر إلى محل جاز أن يستثنى جنس من الجوهر حتى يحتاج إلى محل وكل ذلك محال.
ثم نقول هب أنا ارتكبنا هذه الاستحالة وتصورنا إرادة لا في محل فمن المريد بها ومن المعلوم أن نسبتها إلى القديم والحادث على وتيرة واحدة.
فإن قيل : يوصف بها القديم لأن القديم لا في محل والإرادة لا في محل فهي به أولى.
قيل ولو قيل يوصف بها الحادث لأن الإرادة حادثة والجوهر حادث والحادث بالحادث أولى والمناسبات بين الحوادث تتحقق ولا مناسبة بين القديم والحادث بوجه ما ثم أخذتم قولكم لا في محل بالاشتراك فإن معنى قولنا القديم لا في محل أي لا في مكان ومعنى قولنا الإرادة لا في محل أي لا في متمكن وفرق بين المكان والمحل فلم توجد المناسبة شاملة للطرفين بمعنى متفق عليه مشترك فيه فلا مناسبة أصلا هذا كمن يقول الجوهر لا في محل والإرادة لا في محل فوصف الجوهر بها أولى ونقول قد قام الدليل على أن كل حادث اختص بالوجود دون العدم وبوقت وقدر دون وقت وقدر كان المحدث مرادا والإرادة شاركت جميع الحوادث في هذه القضية فإنها اختصت بوقت ومقدار من العدد دون وقت ومقدار فيستدعي إرادة أخرى والكلام فيها كالكلام في هذه فيجب أن يتسلسل والقول بالتسلسل باطل.