السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [آل عمران : ٨٣].
قالت الفلاسفة : النظام في الوجود أو في العالم متوجه إلى الخير لأنه صادر عن أصل الخير والخير ما يتشوق كل شيء إليه ويتميز به وجود كل شيء والأول لما علم نظام الخير على الوجه إلا بلغ في الإمكان فاض منه ما عقله نظاما وخيرا على الوجه إلا بلغ فيضا تاما على أتم تأدية وذلك هو العناية الأزلية والإرادة السرمدية فكان الحيز داخلا في القضاء الإلهي دخولا بالذات لا بالعرض ثم الشر على وجوه فيقال شر لمثل النقص الذي هو الجهل والعجز والتشويه في الخلقة ويقال شر لمثل الوجع والألم والمرض ويقال : شر لمثل الظلم والزنا والسرقة وبالجملة الشر بالذات هو العدم ولا كل عدم بل عدم منقص طباع الشيء من الكمالات الثابتة النوعية والطبيعية والشر المطلق لا وجود له وكذلك الشر بالذات ليس بأمر حاصل إلا أن يخبر عن لفظة ، ولو كان له حصول لكان شرا مطلقا عاما ذاتيا موجودا ، وإذا تحقق له وجود فقد حصلت فيه خيرية من جهة وجوده إذ الوجود من حيث هو وجود خير فتحقق أن الشر المطلق لا وجود له إلا في اللفظ والذهن والوجود على كماله الأقصى أن يكون بالفعل وليس فيه أمر ما بالقوة أصلا فلا يلحقه شرا وأما الشر بالعرض فله وجود ما وإنما يلحق ما في طباعه أمر ما بالقوة وذلك لأجل المادة فيلحقها الأمر يعرض لها في نفسها وأول وجودها هيئة من الهيئات المانعة لاستعدادها الخاص للكمال الذي توجهت إليه فجعلها أردأ مزاجا وأعصى جوهرا لقبول التخطيط والتشكيل والتقويم فتشوهت الخلقة وانتقصت البنية لا لأن الفاعل قد حرم بل لأن المنفعل لم يقبل فربما يؤدي ذلك إلى أن يصدر من تلك البنية أخلاق ردية وربما تستولي نفس حيوانية على نفس إنسانية ، فيصدر عن الشخص أفعال قبيحة ، واعتقادات فاسدة ، وأما الأمر الطارئ على الشخص من خارج فأحد شيئين أما ما يقع للمكمل وأما ما يصادم حق الكمال ومثال ذلك في النوع الإنساني العادات القبيحة التي يتربى عليها الصبي من أول نشوئه والاعتقادات الفاسدة التي يتعلم الصبي من المعلمين والأبوين وإلا فأصل الفطرة كان على استعداد صالح لو لا المانع وعليه دلت الإشارات النبوية كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فالشر إذا داخل في القضاء الإلهي بالعرض لا بالذات إذا وقع فبالحري أن يجازى مجازاة الهلاك والفساد على وجود العلة العارضة فالباري تعالى مريد للخير إرادة بالذات إذ هو مصدر للخيرات ومريد للشر إرادة بالعرض وليس مصدر الشرور وانقسمت الأمور إذا توهمت موجودة إلى خير مطلق