الكائنات وكونها مقتضية بالعرض وبين أصل الكون والكائنات وحصولها على سبيل اللزوم ، فليس إذا في الوجود شيء هو مقتضى بالذات حتى يكون شيء آخر هو مقتضى بالعرض ، وما ذكرتموه من حد الخير أنه يتشوقه الكل يبطل قاعدتكم في الإرادة فإن الباري لا يتشوق الخير بل يتشوقه الكل فهو الخير المحض وهو المراد لا المريد وما سواه فليس بخير ولا مراد إذ لا يتشوقه الباري تعالى فلم يرده ويرجع الكلام إلى شبه الطامات ، وقولكم إنه إذا علم النظام وأبدعه فقد أراده فجعلتم الإرادة مركبة من سلب وإضافة أما السلب فمن جهة أنه عالم أي غير محتجب عن ذاته بذاته وأما الإضافة فمن جهة أنه مبدأ النظام الخير والنظام في الوجود تابع ولازم لكونه عالما والشر في الوجود لازم وتبع للنظام فما الفرق بين لازم ولازم وعندكم الجزئيات معلومة تتبع الكليات والكليات معلومة تبعا لعلمه وهي معلومة على منهاج كونها معلومة فالشر والقبائح يجب أن تكون مرادة على منهاج كونها معلومة وقولكم الشر المحض ليس بموجود أصلا فإن الوجود اشتمل على الخير أو هو خير كله.
فنقول أثبتم ترتيبا في الوجود حتى قضيتم بأن الوجود في بعض الموجودات أول وأولى وفي بعضها لا أول ولا أولى فهلا أثبتم فيه تضادا أيضا حتى تحكموا بأن الوجود في بعض الموجودات خير كله وفي بعضها شر كله وقد سمعتم من أصحاب الشرائع إثبات الملائكة الروحانيين وذلك خير كله وإثبات الشياطين وهذا شر كله ، وأصحاب الأصلين النور والظلمة يقرءون عليكم السلام للإلزام وأصحاب الكلام يلزمونكم إثبات موجودات في العالم غير مستندة إلى الموجد كأنها وقعت اتفاقا لا قصدا أو حدثت فلتة لا إرادة واختيارا فإن كانت لا مستند لها فهي مخلوقة لا خالق لها وإن كان مستندها خيرا محضا فكيف يصدر الشر من الخير وإن كان مستندها شرا محضا فالشر المحض لا وجود له عندكم فما الجواب وكيف الخروج عن عهدة الخطاب.
ونقول نرى العالم الجسماني مملوء بالبلايا والمحن والرزايا والفتن ومشحونا بالآفات والعاهات والطوارق والحسرات ومتموجا بالجهالات وفاسد الاعتقادات وأكثر الخلق على الأخلاق الذميمة والخصال اللئيمة واستيلاء القوة الشهوية والغضبية على العقلية حتى لا تكاد تجد في قرن من القرون إلا واحدا يقول بالحكمة الإلهية التي هي التشبه بالإله عندكم أو فرقة يسيرة ترتسم بالمراسيم الشرعية التي هي امتثال الأوامر الإلهية عندنا بل أكثرهم (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة : ١٧١] ، (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)