أو لا في محل ولا قائل بكونه متكلما لنفسه من المعتزلة وغيرهم إذ لو كان يعم تعقله أزلا وأبدا ، ولا قائل بكلام يخلقه لا في محل لأن في نفي المحل نفي الاختصاص ، وفيه إبطال التفرقة بين ما يقوم بنفسه وبين ما لا يقوم بنفسه ومن قال هو متكلم بكلام يحدثه في ذاته كما صارت إليه الكرامية فقد سبق الرد عليهم ومن قال هو متكلم بكلام يخلقه في محل كما صار إليه المعتزلة فقد خالف قضية العقل فإن الكلام لو قام بمحل لكان المحل متصفا به دون غيره من الفاعل وغيره كما لو تحرك متحرك بحركة يخلقها الله لم يرجع أخص وصفها إلى الفاعل ، وكذلك سائر الأعراض فبقي أنه متكلم بكلام قديم أزلي يختص به قياما ووصفا وذلك ما أثبتناه.
قالت الفلاسفة والصابئة : قولهم الحي يصح منه الاتصاف بالكلام لأنه لو لم يتصف به لا تصف بضده وكثيرا يطردون هذا الدليل في سائر الصفات ، وهي دعوى مجردة لا برهان عليها إلا الاسترواح إلى الشاهد ونحن نورد عليكم نقضا لهذه القاعدة حتى يتبين أن اعتذاركم عن النقض اعتذارنا عن هذه الدعوى ، وذلك أن الحي يصح منه الاتصاف بالحواس الخمس ثم الثلاث منها كالشم والذوق واللمس يصح في الشاهد ويصح وصفه بها والاتصاف بها كما يصح منه الاتصاف بالسمع والبصر والكلام ثم لم يجز طرد ذلك كله في الغائب ولا يقال إنه لو لم يتصف بها كان موصوفا بضدها بل يجب أن يقال يتعالى الحق عنها وعن أضدادها كذلك قولنا في السمع والبصر والكلام واعتذاركم إن اتصال الأجرام بتلك الحواس شرط في الشاهد ، كذلك اعتذارنا أن البنية واتصال الأجرام واصطكاكها شرط في الشاهد ، فلا يجوز أن يوصف الحي بها ولا بضدها جميعا وكثيرا ما يكون من الصفات كمالا في الشاهد ونقصانا في الغائب فبقيت الحجة الأولى عرية عن البرهان ، وأما قولكم إن الرب تعالى ملك مطاع ذو أمر ونهي فمسلم لكنكم معاشر المتكلمين أنتم منازعون في إثبات الكلام له هو أمر ونهي على وجه يتصف به إما قياما بذاته وإما قياما بغيره ، فإنا نقول : هو ملك مطاع وله أمر ونهي لا على طريق قولي بل على طريق فعلي وهو تعريف المأمور خبرا أن الفعل المأمور به واجب الإقدام عليه بأن يخلق له معرفة ضرورية أن الأمر كذلك إما أن يتكلم بكلام يخلقه في محل أو يتكلم أزلا وأبدا بكلام يسمع في حال ولا يسمع في حال فهو من أمحل المحال وهذا لأن تصريفه تعالى جواهر الخلائق بالفعل على وجه ينقاد له طوعا وكرها لما خلقه له وقدره فيه نازلا منزلة القول ألستم تقرءون في كتابكم (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ