منظومة وأصوات مقطعة ومن المعلوم الذي لا مراء فيه أن الصوت أعمّ من الكلام فإن كل كلام عنده صوت وليس كل صوت كلاما ثم الصوت إذا قام به سمي المحل مصوتا ولا يرجع حكم الصوت إلى فاعل الصوت حتى يقال الباري تعالى إذا خلق أصواتا في محل هو مصوت والكلام الذي هو أخص كيف يرجع حكمه إليه حتى يقال هو متكلم بكلام يخلقه في محل بل يرجع حكم الصوت من حيث هو معنى من المعاني إلى المحل ويرجع حكم الفعل من حيث هو فعل من الأفعال إلى الفاعل كذلك الكلام الذي هو أخص منه فيا عجبا بأن صار أخص صار حكمه أعم أو ليست الحركة إذا قامت بمحل سمي بها متحركا سواء كانت الحركة ضرورية أو اختيارية ثم إذا خصصت الحركة بأن كانت أصواتا تسمع أو حروفا تفهم أو كلمات تعقل انقطع حكمها عن المحال وعاد ما يجب اختصاصه بالمحل إلى الفاعل الذي لا ينسب إليه إلا الأعم فعرف من هذه الوجوه أن اختصاص الكلام بالمحل الذي قام به لم يبطل ومن الدليل على ذلك أن من سمع كلاما من الغير علم على القطع والبتات أنه المتكلم به ولا يقف معرفة ذلك على معرفة كونه فاعلا بل ربما لا يخطر بباله كونه فاعلا أصلا وعن هذا انتسب إليه القول فيقال قال ويقول وهو قائل وبخطاب الأمر والنهي يخاطب قل ولا تقل ويفرق الفارق ضرورة فرقا معقولا بين قولهم قل وبين قولهم افعل فإن مساق قولهم قل هو بعينه مساق قولهم تحرك واسكن وقم واقعد وإن كان المعنى في الموضعين مخلوقا مكتسبا بالوجهين كما عرفت ثم رجع أخص وصف الحركة إلى المحل الذي قامت به الحركة كذلك القول ينبغي أن يرجع أخص وصفه إلى المحل الذي قام به وهذا قاطع لا جواب عنه ونحرر هذا المعنى.
ونقول : العرضية أعم من الكونية والكونية أعم من الحركية والحركة أعم من الصوت والصوت أعم من الحروف والحروف أعم من الكلام ثم يجب وصف المحل بكونه موصوفا بعرض وذلك العرض بعينه كون والكون بعينه حركة والحركة بعينها صوت والصوت حرف والحرف كلام فيجب أن يوصف المحل بكونه ذا كلام ومتكلما كما وجب وصفه بكونه ذا حركة ومتحركا ومن جعل المعنيين معنى واحدا وسمى النسبتين نسبة واحدة كان عن المعقول خارجا.
ومما يتمسك به في دفع قولهم المتكلم من فعل الكلام إن الله تعالى لو خلق في المبرسم وبعض الممرورين إن قال بلسانه قمت وقعدت لم يخل الحال من أحد أمرين إما أن يقال يكون المتكلم بهذه الحروف المنظومة والأصوات المقطعة هو خالقها وفاعلها فيلزم أن يكون البارئ قائلا قمت وقعدت وإما أن يقال المتكلم بهذه