أن كون الجوهر قائما بذاته قابلا للعرض متحيزا ذا مساحة وحجم أوصاف نفسية للجوهر وإن كانت معانيها مختلفة كذلك كون الكلام أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا أوصاف نفسية للكلام ، وإن كانت معانيها مختلفة ، وليس اشتمال معنى الكلام على هذه المعاني كانقسام العرض إلى أصنافه المختلفة وانقسام الحيوان إلى أنواعه المتمايزة فأقسام الشيء غير وأوصاف الشيء غير ، وكل ما في الشاهد للكلام من الأقسام فهو في الغائب للكلام أوصاف والذي يحقق ذلك أن المعنى قد يكون واحدا في ذاته ويكون له أوصاف هي اعتبارات عقلية ثم الاعتبارات العقلية قد تكون من جهة النسب والإضافات وقد تكون من جهة الموانع واللواحق أليست الإرادة قد تسمى رضى إذا كان فعل الغير واقعا على نهج الصواب وقد تسمى هي بعينها سخطا إذا كان الفعل على غير الصواب كذلك يسمى أمرا إذا تعلق بالمأمور به ويسمى نهيا إذا تعلق بالمنهي عنه وهو في ذاته واحد وتختلف أساميه من جهة متعلقاته حتى قيل إن الكلام بحقيقته خبر عن المعلوم وكل عالم يجد من نفسه خبرا عن معلومه ضرورة فإن تعلق بالشيء الذي وجب فعله سمي أمرا وإذا تعلق بالشيء الذي حرم فعله سمي نهيا وإن تعلق بشيء ليس فيه اقتضاء وطلب سمي خبرا واستخبارا فهذه أسامي الكلام من جهة متعلقاته كأسامي الرب تعالى من جهة أفعاله.
ثم نقول ليس بيد الخصم في هذه المسألة إلا مجرد الإلزام على مذهب من قال بوحدة الكلام ، وإلا فمن أنكر أصل الكلام النفسي كيف يسمع منه القول في الوحدة ولكن العجب من هذا الملزم أنه التزم ما هو أمحل المحال في وحدة الحال التي هي مصححة الأحوال فإنه قال عالمية الباري سبحانه وقادريته حال وله حال توجب كونه عالما قادرا فقد أثبت حالا لها خصوصية العلم والقدرة وهي واحدة في نفسها وراء الذات ، فكيف يستبعد ممن يثبت كلاما هو أمر ونهي وخبر وهو في نفسه واحد مختلف الاعتبار والفلاسفة الذين هم أشد إنكارا للكلام الأزلي ووحدته أثبتوا عقلا واحدا في ذاته ووجوده وتفيض منه صور لا تتناهى مختلفة ربما تختلف أساميه باختلاف الصور والفيض عندهم كالتعلق عند المتكلم والعقل الأول كالكلام في وحدته واختلاف الكلام بالأمر والنهي كاختلاف الفيض بالصور.
وأوضح من ذلك مذهبهم في المبدأ الأول لا يتكثر بتكثر الموجودات اللازمة والصفات والأسماء إما إضافة وإما سلب وإما مركبة من إضافة وسلب فهلا قالوا في الكلام كذلك ، وهلا أثبتوا كلاما أزليا على منهاج إثباتهم له عناية أزلية حتى يكون هو المبدأ وإليه المنتهى تقديرا في أفعاله الخاصة ، ويكون أمره المبدأ وإليه الرجعى تكليفا على