أفعال عباده فيكون له الخلق في الأول والأمر في الثاني ويرجع الكل إليه (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] ، (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) [هود : ١٢٣].
قالت المعتزلة : إثبات صفات نفسية لذات واحدة غير مستحيل لكن إثبات خواص مختلفة وصفات متضادة لشيء واحد هو المستحيل ومن المعلوم أن الأمر والنهي يتضادان ولهما خاصيتان مختلفتان فإثبات ذلك لكلام واحد محال ونحن لا ننكر اختلاف الأسامي لشيء واحد لاختلاف الوجوه والاعتبارات لكنا ننكر اختلاف الخواص المتباينة لشيء واحد ولا نشك أن كون الكلام أمرا ونهيا ليس من جملة النسب والإضافات فإن الصفات الإضافية تتحقق عند الإضافة ولا يتحقق عند رفع الإضافة ويتطرق إليها التبدل والتغير وليس كون الكلام أمرا ونهيا مما يتحقق عند الإضافة بل هما من أخص أوصاف الكلام سواء لاحظنا جانب المتعلق أو لم نلاحظ وكذلك لو رفعنا المتعلق عن الوهم لم يخرج الكلام عن كونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا والعلم بالقديم والحادث علم بالشيء على ما هو به وهو صفة صالحة لدرك ما يعرض عليه سواء كان قديما أو حادثا وجودا أو عدما والذي يوازيه في تعلقه تعلق الأمر بمأمور معين وتعلقه بمأمور آخر فاختلاف المأمورين كاختلاف المعلومين ثم اختلاف المعلومين لا يستدعي اختلاف العلمين كذلك اختلاف المأمورين لا يستدعي ولا يستدعي اختلاف الأمرين لكن كلاما هو في نفسه أمر وهو في نفسه نهي اختلاف وصفين متضادين لشيء واحد وهو محال ونظيره العرض في شموله أقسام الأعراض المختلفة الخواص إذ يستحيل أن يكون للعرض ذات محققة على حيالها وهي في ذواتها علم وقدرة وحياة ولون وكون وقولكم : إن الكلام مختلف الأوصاف لا مختلف الأقسام غير صحيح ، بل الأمر والنهي والخبر والاستخبار أقسام الكلام والكلام منقسم إلى ذلك إذ كل قسم ممتاز بخاصيته وحقيقته عن القسم الآخر واسم الكلام كالجنس لها لا كالموصوف بها ومن أمحل ما ذكرتموه قولكم ما هو أقسام في الشاهد فهو أوصاف في الغائب والحقائق كيف تتبدل والمعقولات كيف تتفاوت وهل ذلك إلا رفع الحقائق وحسم الطرائق.
وأما إلزام الحال فالجواب عنه أن المصحح للمختلفات المتضادات لشيء واحد غير وثبوت المختلفات المتضادات لشيء واحد غير فإن الحياة مصححة للعلم والجهل والقدرة والعجز والإرادة والكراهة إلى غير ذلك من المعاني التي يشترط في ثبوتها الحياة ولا يلزم ذلك ثبوت المختلفات المتضادات لحي واحد ونحن إذا أثبتنا حالا فهي مصححة أو في حكم المصحح ولم نثبت مختلفات متضادة لشيء واحد فهذا هو الفرق.