نهي عن ذلك الشيء بعد اتحاد جهاته فتعدد الكلام بتعدد المتعلقات فصارت تلك الجهات أقساما وانفصل كل قسم عن قسم بأخص وصف له بعد الاشتراك في حقيقة الكلامية كالعلوم المختلفة إذا تعلقت بمعلومات مختلفة كانت أقساما مختلفة وامتاز كل علم عن قسمه بأخص وصفه بعد الاشتراك في حقيقة العلمية ثم إذا خصص الكلام بعلم قديم أو عالمية أزلية لم يلزم اتحاد الخصائص في ذات واحدة بل العلم الأزلي في معنى علوم مختلفة نائبا مناب الكل من غير أن تتكثر ذاته أو تختلف خواصه وكذلك الكلام الأزلي في حكم الأمر والنهي والخبر والاستخبار نائبا مناب الكل من غير أن تتكثر ذاته أو تختلف خواصه وهذا معنى قولنا الأقسام في الكلام الشاهد كالأوصاف في الكلام الغائب ، ثم بم تنكرون على من يقول الكلام معنى واحد حقيقته الخبر عن المعلوم ثم التعبير عن ذلك المعنى إذا كان المعلوم محكوما فعله بالأمر أو محكوما تركه بالنهي وإن كان في وقت قد وجد المعلوم وانقضى كان التعبير عنه عما كان وإن كان في وقت لم يوجد المعلوم بعد وسيوجد كان التعبير عنه عما سيكون فالأقسام المذكورة ترجع إلى التعبيرات بحسب الوجوه والاعتبارات وإلا فالكلام الأزلي واحد لا كثرة فيه باختلاف الخواص وتضاد المعاني فكان قبل خلق آدم التعبير عن معلوم الخلافة في ثاني الحال (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠].
وبعد إرسال نوح وانقراض عصره كان التعبير عن معلوم الرسالة في ماضي الحال (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [نوح : ١] ، ولو عبر عن حال موسى قبل وجوده بالواد المقدس كان على صيغة الخبر عما سيكون وإذا عبر عن حاله وهو بالواد المقدس كان على صيغة الأمر (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) [طه : ١٢] ، فالاختلافات كلها راجعة إلى التعبيرات عن الكلام الذي هو وفق المعلوم حتى لو قدرنا لأنفسنا نطقا عقليا سابقا على وجود المخاطب باقيا على ممر الدهور كان المعبر عنه على حقيقة واحدة لا يتبدل والتعبيرات عنه على أقسام مختلفة لا تتماثل ولو قدرنا لنفوسنا نطقا عقليا مطابقا لإدراك عقلي عاليا على الدهر والزمان بحيث نسبتهما إلى الماضي والحاضر والمستقبل نسبة واحدة لم يشك أن الاختلاف لم يرجع إلى كثرة معان في ذاته بل يرجع إلى ما يختلف بالأزمان ألم تسمع الله تعالى وتقدس يخبر في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عن حال عيسى عليهالسلام عما سيكون في القيامة بقوله عز من قائل : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة : ١١٦] ، أو ليس عبّر في المستقبل بالماضي وبعد لم