يحدث كلاما لنفسه عند قراءة كل قارئ وعند كتابة كل كاتب وقد جحد الضرورة وكابر العقل فإن العاقل لا يشك أن الذي يسمعه من القارئ حروف وكلمات تخرج عن مخارجها على اختياره ، وليس يقارنه أمثالها حتى يكون كل حرف حرفين وكل كلمة كلمتين وكل آية آيتين ، وإن كان فما محلها وقد اشتغلت المخارج بحروفها ومن المحال اجتماع حرفين وكلمتين في محل واحد في حالة واحدة والحروف لا وجود لها إلا على التعاقب واجتماع حرفين وكلمتين في محل واحد غير معقول ولا مسموع ولا محسوس من جهة القارئ فهو محال.
ثم نقول القول الحق : إنا لا ننكر وجود الكلمات التي لها مفتتح ومختتم وهي آيات وأعشار وسور ويسمى الكل قرآنا وما له مبتدأ ومنتهى لا يكون أزليا وهو من هذا الوجه معجزة الرسول صلىاللهعليهوسلم ويسمى ما يقرأ باللسان قرآنا وما يكتب باليد مصحفا لكن كلامنا في مدلول هذه الكلمات ومقروء هذه القراءة أهي صفة أزلية لا حادثة وواحدة لا كثيرة أم هي هذه فقط ولا مدلول لها ولا مقروء ولا مكتوب وبالاتفاق بيننا وبين الخصم كلام الله تعالى غير ما حل في اللسان من تحريك الشفتين واللسان والحلق بل هو معنى آخر وراء ذلك فنحن نعتقد أن ذلك المعنى واحد أزلي وأنتم تعتقدون أنه مثل هذا كثير حادث فانقطع الاستدلال بما يعرفه أهل الإجماع وكما أن كلامه أزلي واحد عندنا وليس ذلك بين أظهرنا كذلك هو كلام آخر في محل آخر ، وليس ذلك بين أظهرنا عند الخصم فصار الاتفاق بالمقدمات المشهورة المعهودة لا اليقينية المقبولة المشهودة وتبين أن إطلاق لفظ القرآن على القراءة والمقروء باشتراك اللفظ وقد يسمى الدليل باسم المدلول ويطلق لفظ العلم على المعلوم كقوله تبارك وتعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) [البقرة : ٢٥٥] ، أي بمعلومه وقال : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) [الإسراء : ٧٨] ، عني به الصلاة والقراءة فيها.
والجواب الحق : أن الآيات التي جاء بها جبريل عليهالسلام منزلا على الرسولصلىاللهعليهوسلم كلام الله كما أن الشخص الذي تمثل به جبريل وتراءى وظهر له سمي جبريل حتى يقول هذا كلام الله وهذا جبريل لأن ما أشير إليه بهذا وهذا هو مظهره ، وأنت تقول : كلامك هذا صحيح وغير صحيح ولا تشير إلى مجرد العبارة دون المعنى ، بل تشير إلى العبارة على أنها مظهر المعنى وإلا فالصحة والفساد إنما يدخلان على المعنى دون اللفظ ، والصواب والخطأ يرد على اللفظ دون المعنى وقد تكون العبارة سديدة لغة ونحوا ويكون المعنى غير سديد وبالعكس من ذلك ثم يشار إلى العبارة ويراد