بها المعنى كذلك قولنا هذا كلام الله وكلام الله بين أظهرنا (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة : ٧٩] ، وقوله : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) [البقرة : ١٢١] ، (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) [القيامة : ١٧] ، راجع إلى العبارة (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) [القيامة : ١٩] ، راجع إلى المعنى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) [الواقعة : ٧٧ ، ٧٨] ، ولو كان الكتاب من حيث هو كتاب هو القرآن لما قال (فِي كِتابٍ) وفي آية أخرى (يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) [البينة ٢ ، ٣] ، فتارة كان القرآن في كتاب وتارة كان الكتاب في القرآن ومن أدرك الطرفين على حقيقتهما سهل عليه التمييز بين المعنيين ثم احترام الكتاب لأجل المكتوب كاحترام البيت لأجل صاحب البيت.
قالت السلف والحنابلة : قد تقرر الاتفاق على أن ما بين الدفتين كلام الله وأن ما نقرأه ونسمعه ونكتبه عين كلام الله فيجب أن يكون الكلمات والحروف هي بعينها كلام الله ولما تقرر الاتفاق على أن كلام الله غير مخلوق فيجب أن تكون الكلمات أزلية غير مخلوقة ولقد كان الأمر في أول الزمان على قولين أحدهما : القدم والثاني : الحدوث والقولان مقصوران على الكلمات المكتوبة والآيات المقروءة بالألسن فصار الآن إلى قول ثالث وهو حدوث الحروف والكلمات وقدم الكلام والأمر الذي تدل عليه العبارات ، وقد حسن قول ليس منهما على خلاف القولين ، فكانت السلف على إثبات القدم والأزلية لهذه الكلمات دون التعرض لصفة أخرى وراءها وكانت المعتزلة على إثبات الحدوث والخلقية لهذه الحروف والأصوات دون التعرض لأمر ، وراءها فأبدع الأشعري قولا ثالثا وقضى بحدوث الحروف وهو خرق الإجماع وحكم بأن ما نقرأه كلام الله مجازا لا حقيقة وهو عين الابتداع فهلا قال ورد السمع بأن ما نقرأه ونكتبه كلام الله تعالى دون أن يتعرض لكيفيته وحقيقته كما ورد السمع بإثبات كثير من الصفات من الوجه واليدين إلى غير ذلك من الصفات الخبرية (١).
قالت السلف : لا يظن الظان أنا نثبت القدم للحروف والأصوات التي قامت
__________________
(١) انظر : الملل والنحل للمصنف (١ / ١٠٧) ، وتبيين كذب المفتري لأبي هلال العسكري (ص ١٥٠) ، وشرح قصيدة ابن قيم (ص ٢٧٧) ، والعقيدة الأصفهانية (ص ٥٨) ، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع للملطي (ص ٤٢) ، وخلق أفعال العباد للبخاري (ص ٤٤) ، والمناظرة لأهل البدع في القرآن ، والرد على ابن عقيل الحنبلي ، كلاهما لابن قدامة الحنبلي بتحقيقنا.